حركة 20 فبراير المغربية: جذور الفشل ودروسٌ للمستقبل

علي أموزاي

ابتداءً من 20 فبراير 2011، سيشهد المغرب ولأول مرة في تاريخه حركة سياسية جماهيرية تحمل مطالب سياسية موجَّهةً بغالبيتها لإصلاح النظام السياسي. وكان شعارها الرئيسي «إسقاط الفساد والاستبداد»، ما مكَّن الكتّاب الليبراليين من حصر أفقها السياسي في الاحتجاج ضد الأساليب التي لا تندرج ضمن منطق السوق. استنتج الاقتصادي الليبرالي نجيب أقصبي قائلا: «هذا جوهر ما كان يندد به المحتجون»، أي توريةُ الجذور الاقتصادية والاجتماعية للانتفاضة الإقليمية.

وازى تظاهرات حركة 20 فبراير نضالٌ اجتماعي كانت أبرز محطاته: نضال صغار مزارعي الشمندر السكري في منطقة دكالة/سيدي بنور، ومعطلي الهضبة الفوسفاتية (مدينة خريبكة)، وأصبحت الرباط محج حركات النضال ضد البطالة، كما انتعشت الإضرابات العمالية في البلد.

سهَّل غيابُ تلاقي النضالات الاجتماعية هذه ونضال حركة 20 فبراير السياسي على النظام تجاوُزَ العاصفة الثورية الإقليمية بسلام. لكن يظل أكبر إنجاز لحراك 20 فبراير والمناخ الثوري الإقليمي هو تغيُّر نفسية الجماهير –التي أدركت أن الطغاة لا يدومون– ما جعل الحراك العمالي والشعبي والشبيبي مستمرًا منذ عام 2011، وإن لم يكن بنفس الزخم.

لا تكشف الأحداث التاريخية الكبرى (من ثورات وأزمات اقتصادية أو سياسية وحروب) إلّا ما كان مُعدًّا قبلها. ولا يمكن تفسيرها بمجريات الأحداث ذاتها وسلوك المتدخلين المباشرين فيها وحسب، فهذه من تجليات ما يجب تفسيره.

وفق أغلب الكتابات الأكاديمية والحزبية، يُعزى مآلُ حركة 20 فبراير إلى استثنائية النموذج المغربي وسرعةُ بديهة المَلك، وكيف جَنَّبَ ذلك المغربَ مهالك باقي دول المنطقة التي أسهمَ تَعَنُّتُ رؤسائها إما في إسقاطهم أو في الفوضى والحروب أهلية.

يدخل هذا النوع من التفسير (أو بالأحرى التأويل) في باب التفسيرات المثالية، وينطلق من افتراض أن المَلَكية ذاتٌ تمتلك إرادةً أقوى من الطبقات الاجتماعية والنزاعات بينها و/أو بين أقسامها، وليست علاقةً تعتمد ممارستُها وحصيلتُها على علاقات القوة القائمة في صلب المجتمع. لذلك، علينا الإقرار بدايةً بأن ما حدث عام 2011 كان حصيلة ميزان القوى الاجتماعي والسياسي بين الطبقات والدولة.

الاستعمار وإرساء الاستبداد الملكي

لم يشهد تاريخ المغرب الحديث إلا ثورتين ظافرتين: ثورة 1907-1908 ضد الأطماع الاستعمارية التي خلعت السلطان عبد العزيز ونصبت محله أخاه عبد الحفيظ بشروط التعهد بصيانة استقلال البلاد واسترجاع المناطق المغتصبة، والثورة الريفية بين 1921 و1927 التي هزمت الإمبريالية الإسبانية وأقامت جنين دولة مستقلة.

أعدم تحالفُ القوى الإمبريالية والسلطان والأعيان القرويين والبرجوازية التجارية التقليدية كلتا المحاولتين. وورث المغرب عن ذلك قضايا ستبصم تاريخه السياسي الحديث: التبعية وانحباس التنمية، والسلطة والمسألة الدستورية، وكذلك القضايا الإثنية-الثقافية (قضايا الصحراء الغربية والريف والأمازيغية).

كانت قدرات مَلَكِيَّة ما قبل الاستعمار–وبعكس وصف الكتابات والأبحاث حُكمها بالمطلق– محدودةً بتطور القوى المنتجة وتخلّف مستوى التطور التكنولوجي (وسائل النقل والسلاح). أما الملكية الحديثة فقد جهزها الاستعمار الفرنسي بمقومات الدولة الحديثة والبنية التحتية لمد نفوذها ليشمل أقصى المناطق التي كانت منفلتة منها. وبالحصول على الاستقلال الشكلي أصبح المغرب البلد الوحيد في المنطقة الذي لم تصل فيه الحركة التي قادت النضال ضد الاستعمار (الحركة الوطنية البرجوازية) إلى السلطة، بل انتقلت الأخيرة –بمساعدةٍ من الحركة هذه ذاتها وبتواطؤ مع الاستعمار– إلى المَلكية.

بعد أن أرسى الحسن الثاني ديكتاتوريته (المقنَّعة بواجهة ديمقراطية شكلية)، بدأ عمليةَ إنماء رأسمالية محلية اعتمادًا على القطاع العام والأراضي المُسترجَعة من الاستيطان الاستعماري. ولم يكن استبداد الملكية سياسيًا فحسب (القمع الشديد، و«المشروعية» التاريخية والدينية)، إنّما له أساس اقتصادي كذلك. فقد كان الملك غداة الاستقلال: أول ملاك عقار وأكبر مستثمر في البلاد.

سيشهد نموذج التراكم الرأسمالي هذا أولى أزماته بدايةَ الثمانينيات، محفَّزة بالنفقات الباهظة المصروفة على حرب الصحراء وارتفاع المديونية الخارجية. سيتدخل البنك الدولي ابتداءً من عام 1983 فارضًا برنامج تقويم هيكلي قائمًا على التقشف ورفع الأسعار وتجميد التوظيف، وخصخصة واسعة للأملاك العامة.

استفادت البرجوازية الكبيرة والمَلكية –التي تشكل قِسمها الحاكم– من برنامج التحرير الاقتصادي (1983-1993)، وزادت قوتها الاقتصادية وأقامت «برجوازية محاسيب» وفق تعبير جلبير الأشقر، وهو ما تسميه المعارضة البرجوازية في المغرب «المخزن الاقتصادي».

أثار هذا استياءَ المفكرين الليبراليين فأشاروا إلى عدم احترام الدولة منطقَ السوق. لكن ما يغفله هؤلاء هو أن تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي يجري في سياق مطبوع بعلاقات القوة بين أقسام الطبقة البرجوازية، يغلب فيه الرأسمال الكبير الملتف حول المَلكية، ولا تُحتَرَم فيه تنافسية اقتصاد آدم سميث وعقلانية دولة ماكس فيبر.

على الرغم من تأوّهات المعارضات الليبرالية، ظلت المَلكيةُ رأسَ الطبقات السائدة المتوَّج، تخدم مصالح رأس المال المحلي والعالمي، وتعمق اندماج الاقتصاد المغربي مع الرأسمال العالمي.

لم يتعدَّ ما يُطلَق عليه «مراجعة دور الدولة» والتي لا يزال البنك الدولي يوصي بها، حدَّ تقليص دورها الاجتماعي وتنفيذ أهم توصيات «توافق واشنطن»، أي التَّحكُّم في عجز الميزانية (التقشف) وتوجيه المالية العمومية لخدمة الديون وحفز القطاع الخاص عبر سياسة الاستثمار العمومي.

كانت حصيلةُ السياسة هذه تقويةَ البرجوازية وملاَّك الأرضي، على حساب الطبقات الشعبية. ميزان القوى هذا هو ما سيحكم على 20 فبراير بالفشل، وليس تجاوب الملكية أو قصور تنظيمي/سياسي لدى حركة 20 فبراير وحسب.

ميزان القوى الاجتماعي قبل 20 فبراير 2011

أ. الطبقات المالكة

صبّت السياسات النيوليبرالية (برنامج التقويم الهيكلي وموجات الخوصصة) في مصلحة البرجوازية ومُلاَّك الأراضي فاستملكوا جزءًا كبيرًا من الثروة القومية. أما البرجوازية الزراعية وكبار ملاك الأراضي فقد زاد استحواذهما على الأراضي مع تراجع مِلكية الدولة وتدهور الفلاحة المعيشية:[1]

1996

1980

1973

السنوات

238015

491927

657188

مساحة ملك الدولة

747120

498872

362812

مساحة المُلاَّك الخواص المغاربة

وأشار آدم هنية: «في المغرب [عام 2004] على سبيل المثال، أصبح %70 من ملاك الأراضي الزراعية يملكون %24 فقط من الأرض، بلغ متوسط ملكية الأرض لكل مزارع أقل من 5 هكتارات، في حين سيطر أقل من %1 من المزارعين على %15 من الأراضي، بحيث فاق متوسط المساحة لكل مزارع في الفئة هذه 50 هكتارًا».[2]

سياسيًا، تمكنت المَلكية من تطويع المعارضات القائمة وضمان انتقال سلس للسلطة من الحسن الثاني إلى محمد السادس عام 1999، بتعاون قسم مهم من المعارضة الليبرالية والبيروقراطيات النقابية التي ضمنت للمَلكية سِلمًا اجتماعيًا بتوقيع «اتفاق اجتماعي» بتاريخ فاتح غشت/آب 1996.

كان التحول النيوليبرالي مسندًا حقيقيًا لبروز أرباب العمل بصفتهم طرفًا ذا وزن سياسي، وذلك إما عبر التكتل داخل منظمات مهنية، أو المشاركة السياسية المباشرة في المؤسسات التمثيلية. وتمكن أرباب العمل من تقوية تنظيمهم في نفس الوقت، فأعادوا هيكلته تحت اسم «الاتحاد العام لمقاولات المغرب» في 16 أبريل/نيسان 1995.

غيَّر التحول النيوليبرالي نظام الحكم ذاته، الذي انتقل من مَلكِيَّة الحسن الثاني –المرتكزة على قاعدة اجتماعية من كبار ملاك الأراضي والأعيان القرويين وفسادٍ معمم كان إحدى آليات تراكم رأس المال الخاص– إلى مَلَكِيَّة محمد السادس –المرتكزة على كبار الرأسماليين المندمجين مع الرأسمال الإمبريالي والخليجي–.

ب. الطبقات الشعبية

أسفرت أربعة عقود من القمع –نهاية القرن العشرين– عن مناطق ريفية محطَّمة سياسيًا واقتصاديًا. ظلت الأرياف تحت الهيمنة السياسية لأحزاب أُسِّست برعاية وزارة الداخلية. فبعد القضاء على جيش التحرير المغربي عام 1958، ظل الفلاح الصغير معدوم الصوت السياسي وتحت سيطرة الأعيان ووزارة الداخلية والدرك الملكي.

الطبقة العاملة المغربية عَدَمٌ سياسي، إذ خرجت بدورها من عقود حكم الحسن الثاني، بدون تنظيم سياسي خاص بها. ومنذ استئثار الحركة الوطنية البرجوازية بقيادة نضال المغاربة من أجل الاستقلال انكمش الحزب الشيوعي المغربي الذي رفض مطلب الاستقلال آنذاك، وتحوّل إلى حزب ليبرالي ملكي (حزب التقدم والاشتراكية حاليًا) يشارك في جميع الحكومات التي تطبق البرنامج النيوليبرالي.

ولضمان سِلْم اجتماعي، استقطبت المَلكية –في صراعها مع يسار الحركة الوطنية في ستينيات القرن العشرين– قمة «الاتحاد المغربي للشغل» وفسحت لقيادته مجال الاغتناء. وفي نهاية السبعينيات، استعاد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (حزب ليبرالي) قسمًا من الحركة النقابية، وأسس نقابته «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» مناوشًا بها الملكيةَ للحصول على إصلاحات دستورية تمنحه قسطًا من السلطة.

تشتتت الحركة النقابية المغربية وأضحت تحت هيمنة القصر وأحزاب برجوازية ليبرالية في البداية، ثم برجوازية رجعية منذ نهاية التسعينيات.

أنهكت الهجمات النيوليبرالية الطبقة العاملة، وفككت قلاعها التقليدية وخفضت أعداد العاملين في المنشآت العامة بخصخصتها، وأضْفت هشاشةً ومرونة قصوى على علاقات الشغل (عقود محدَّدة المدة، شركات الوساطة والمقاولة من الباطن، عقود التدريب المجانية والمؤدية نصف الأجرة)، التي صودق على صيغتها الرسمية في «مدونة الشغل» عام 2003، ما أضعف الطبقة العاملة في وجه هجوم أرباب العمل، فيما حطمت البطالة معنوياتها.

فَقَدَ الجهازُ النقابي قاعدتَه القارة، وازداد ارتهان قيادته بالدولة واندماجه في مؤسساتها (مجلس المستشارين، واللجان الملكية، ومجالس دستورية… إلخ)، وانخرطت في سلم اجتماعيٍّ تخشى فيه من تحول أدنى مناوشة عمالية إلى تهديد للاستقرار السياسي. وقد استبطنت حتميةَ المنطق النيوليبرالي، تسعى إلى مواكبته باستجداء فتات يخمد فتيل المقاومة العمالية ويقي الأقسام المنظمة من الطبقة العاملة شرّ آثاره الاجتماعية الأكثر كارثية.

شهد مطلع القرن العشرين تكريس نزع الطابع السياسي عن النضال الشعبي والعمالي. كرست الملكية الأمر مع «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» عام 2005، ضِمن تطبيقها لاستراتيجية محاربة الفقر التي أطلقها البنك العالمي في منتصف التسعينيات، وذلك من أجل إضفاء مسحة اجتماعية على السياسات النيوليبرالية وكبح المقاومات ضدها.

أكسبت تلك المبادرةُ الملكيةَ رصيدًا شعبيا، وأُسِّست عبرها عشرات آلاف الجمعيات التنموية في القرى والمدن. ستشكل هذه الجمعيات قاعدةً أساسية لحزب «الأصالة والمعاصرة»، أسسه صديق الملك فؤاد علي الهمة (الذي شغل منصب وزير دولة في وزارة الداخلية) صيف 2008، والذي حصد نسبة %21 من مقاعد انتخابات الجماعات المحلية لعام 2009 محتلًا فيها الرتبة الأولى.

هذا هو سياق ميزان القوى الفعلي الذي انتقلت فيه شرارات الحريق الذي شب في جسد محمد البوعزيزي من تونس إلى المغرب. لكن تلك الشرارات أصابت برميل بارود اجتماعي وسياسي منزوع الفتيل.

خرافة النموذج المغربي الاستثنائي

يركّز تفسير شائع لعدم رفع شعار «إسقاط النظام» في تظاهرات حركة 20 فبراير على اختلاف المَلكية المغربية عن باقي الأنظمة في المنطقة وعلى استثنائية نموذجها القائم على «سياسة الاعتدال والانفتاح السياسي الموزون التي اعتمدها النظام السياسي تجاه معارضيه بدرجات متفاوتة منذ الاستقلال إلى اليوم»[3]. فهل كان الأمر كذلك؟

استطاعت الملكية بفعل عملية تضليل ضخمة انطلقت عام 1998 (حكومة التناوب التوافقي) وانتهت عام 2004 –مع ما أُطلِق عليه «هيئة إنصاف ومصالحة»[4]– التخلصَ من أدران أربعة عقود من حكم الحسن الثاني القمعي.

خُلِّصت الدولة وأكثر أجهزتها مقتًا (المخابرات وأجهزة القمع السري) من مسؤولية سنوات القمع في عهد الحسن الثاني، في حين تخلّى ضحاياها عن حق المحاسبة والقضاء مقابل جبر ضرر مالي ومعنوي. هكذا كانت المَلكية تفتخر بنموذج «العدالة الانتقالية» الغائب في بلدان المنطقة.

ظهر مفهوم «الملكية التنفيذية» الذي أطلقه محمد السادس لأول مرة في حوار مع الجريدة اليمينية الفرنسية «لوفيغارو» في خريف عام 2001. تقوم الملكية التنفيذية هذه على تهميش الأحزاب وزيادة الاعتماد على شريحة من التكنوقراطيين. وتتالت فيها الإشارات إلى نجاعة «الأنموذج التونسي» القائم على التنمية الاقتصادية في مقابل خنق الحريات.

رفض الملك مطالبات بإصلاحات دستورية تقدّمت بها أحزاب ليبرالية عام 2008، وأصر–في خطاب 30 يوليوز/تموز 2010– على منح الأولوية للإصلاحات الاقتصادية وبناء ما يسميه «النموذج التنموي الديمقراطي» القائم على «النمو الاقتصادي المتسارع» و«الحكامة الجيدة». أي أصر ببساطة على تطبيق إملاءات البنك الدولي.

ونجد تفسير الواجهة الديمقراطية للملكية في طبيعة الاقتصاد المغربي ذاته. إن الملكية المغربية محرومة من الامتياز الذي يقدمه ريع النفط والغاز والذي يُمَكِّن أنظمة مثل الجزائر وممالك الخليج من عدم الاعتماد على الضرائب لتمويل ميزانياتها أي –كما كتب جلبير الأشقر– هي: «لا تشعر بضرورة الامتثال لنظام الديمقراطية التمثيلية… وتكتسب فيها الدولة الريعية حالة قصوى من الاستقلال الاقتصادي إزاء السكان».[5]

تعتمد مالية الدولة في المغرب بشكل كبير على الضرائب (والديون الخارجية التي تُموَّل خدمتها كذلك من الضرائب)، إذ مَثَّلت المداخيل الجبائية نسبة %85 من المداخيل الاعتيادية للدولة، ونسبة %20 من الناتج الداخلي الخام لعام 2011.[6] هذا هو الأساس الاقتصادي للواجهة المؤسساتية والذي يسهّل تحالف الملكية مع أقسام أخرى من الطبقة السائدة، ما يتيح «هامشًا ديمقراطيا» –إن أردنا استعمال مصطلح من رطانة العلوم السياسية–. يوَلِّد «الهامش» هذا انطباعًا زائفًا بوجود حياة سياسية وحزبية حقيقية؛ أي تُنظَّم الانتخابات وتُفرِز الأغلبية البرلمانية حكومةً، فيما تنتظر الأقليةُ في صفوف المعارَضة الانتخابات المقبلة للتناوب على الحكومة.

لكن هذا «الهامش الديمقراطي» محكوم بخطوط حمراء، لا يمكن له أن يشمل الملكية والدين وقضية الصحراء. حوكمت مثلًا نجلة زعيم الجماعة الدينية العدل الإحسان، نادية ياسين، بتهمة التصريح -عام 2005- بتحبيذها النظام الجمهوري على النظام الملكي. استمرت محاكمتها منذ عام 2005 حتى 2010. وفي هذا السياق صرح الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي (من اليسار الجذري) بما يلي: «أما عن موقفنا من الدعوة لقيام نظام جمهوري، فإن قانون الأحزاب في المغرب يمنع أن تكون الأحزاب ضد الملكية… ولذلك نفضل الصمت فنحن لسنا جمهوريين ولسنا بملكيين ولكننا نناضل من أجل نظام ديمقراطي».[7] وفي الظروف هذه -عام 2007- اكتفت جماعة العدل والإحسان –التي كانت تنادي بإقامة دولة الخلافة الإسلامية– بالمطالبة بتخليق المجتمع عامةً والحياة السياسية خاصةً.

ولم يُقمع أنصار «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» (البوليساريو) فحسب، إنّما حرّمت الدولة كذلك أي موقف مغاير للموقف الرسمي. فهدد الملك في خطاب بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 قائلًا: «إما أن يكون الشخص وطنيًا أو خائنًا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة، ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة، والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن».

هذه هي حقيقة نموذج الملكية الاستثنائية، وليس لأنها راسخة في وجدان المغاربة. وبذلك فأقرب تفسير إلى الواقع لعدم رفع حركة 20 فبراير شعار «إسقاط النظام» هو الذي تقدم به جلبير الأشقر، مؤكدًا على أطروحة استحالة إسقاط النظام دون إسقاط الدولة في النظم الميراثية: «فقد فطن النّاس لخطورته وأدركوا أنّ تحقيقه يقتضي ميزانَ قوى أو ظروفًا استثنائيّة لم تكن متوفّرة في أيٍّ من المَلَكيّات عام 2011… وليس السبب في أنّ تلك الأنظمة تحوز على شرعيّة أكبر، كما ادّعى مستشرقون غربيّون سطحيّون)».[8] ونضيف إلى ذلك القضاءَ على المعارضة الجمهورية خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ودفن التجربة التحررية لثورة الريف بقيادة عبد الكريم الخطابي.

يستدعي رفع شعار إسقاط النظام في النظم الملكية طاقةَ كفاح أكبر وأشدّ تعتمد على قتالية الطبقات الشعبية لا تخوفًا منها. ويستدعي تفادي الكلفة العالية للتغيير إعدادَ قوة طبقية قادرة على درء عنفِ الثورة المضادة وتفتتِ المجتمع إلى وحدات متصارعة. وبذلك يجد الشعب نفسه أمام خيارين أحلاهما مر: «الاستبداد أو الفوضى»، بمنطق أهوَن الشرين، الذي يفتح الباب لأسوء الشرور. وهذا هو دَيْدَنُ المعارضة البرجوازية بكل تلاوينها الليبرالية والدينية وكذلك البيروقراطيات النقابية، إذ تحرص على الاستقرار السياسي وتُدرك أن القوة الشعبية الوحيدة القادرة على تحقيق الديمقراطية (الطبقات الشعبية) لن تتوقف عند حدود إضفاء تحسينات سياسية على نفس النظام الاقتصادي وخادمه السياسي. لذلك لم يتردد مثقف البرجوازية وفيلسوفها الأبرز، عبد الله العروي في حوار له مع مجلة «زمان» عام 2012، في التصريح بأن الملكية صمامُ أمان المجتمع المغربي وأنها تلعب دوراً ضامنًا للاستقرار.

حركة 20 فبراير وردة فعل الملكية

لم تستمر حركة 20 فبراير الجماهيرية أكثر من سنة. انطلقت أولى تظاهراتها يوم 20 فبراير/شباط 2011، ونظمت الملكية استفتاءً في الدستور يوم 1 يوليوز/تموز 2011 وانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وانتهت الحركة فعليًا بعد تنصيب حكومة واجهة برئاسة الحزب الإسلامي «العدالة والتنمية» يوم 3 يناير/كانون الثاني 2012، فتحوّلت إلى مجمّعات أفراد معزولة تُخلّد سنويًا ذكرى الحركة، حتى انتفت نهائيًا.

توقفت الدينامية السياسية في المغرب إذًا وقتًا طويلًا قبل انتصار الثورة المضادة في أنحاء أخرى من المنطقة العربية ابتداءً من مارس/آذار 2013 (الحرب الأهلية في سوريا وانقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر). وتكمن جذور الفشل بالدرجة الأولى في ميزان القوى الفعلي بين الطبقات.

يُعزى انتصار الملكية على حركة 20 فبراير–وفق أغلب الكتابات الأكاديمية والليبرالية– إلى تجاوب الملك السريع معها بخطابه يوم 9 مارس/آذار 2011. وهو تغييب لحقائق تاريخية تؤكد العكس. واجه النظام الحركة، منذ بدايتها، بالقمع. ففي يوم 20 فبراير/شباط اكتُشفت خمس جثث متفحمة لمتظاهرين في إحدى الوكالات البنكية في مدينة الحسيمة، وقُتل كريم الشايب في مدينة صفرو تحت تعذيب الشرطة في الشارع. وفي يوم 20 يونيو/حزيران لفظ المناضل كمال العماري أنفاسه في مدينة آسفي في إثر تعذيب الشرطة يوم 29 ماي/أيار. وقُتل محمد بدروة (مناضل ضد البطالة) في آسفي في تاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول، وقُتل كمال الحساني (مناضل في جمعية المعطلين من منطقة الريف) في جريمة مدبرة في 27 أكتوبر/تشرين الأول.

رفض الملك محمد السادس مطلب تعديل الدستور الذي ضمنته الحركة في أرضيتها المطلبية. وكان في ذلك أسرع من زين العابدين بن علي وحسني مبارك. فيومًا بعد تظاهرات 20 فبراير، نعت الملك المطالب تلك بـ«الديماغوجية».

واعتمد الملك –أسبوعًا بعد انطلاق التظاهرات– خطوةً نادرًا ما يُشار إليها، إذ وجَّه مستشارَه محمد معتصم للقاء القيادات النقابية في منزله يوم 27 فبراير/شباط. كان ذلك إيذانًا باستمرار التزام القيادات النقابية بالسلم الاجتماعي وعزل الحركة النقابية عن حركة 20 فبراير، وهو ما عبّرت عنه ثريا الحرش القيادية في نقابة «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» في حوار بثته فضائية «ميدي 1» يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2014: «لو لم تكن لدينا روح المواطنة لكنا يوم 20 فبراير خرجنا إلى الشارع مع المحتجين، لكنّنا على العكس من ذلك جلسنا كنقابات على طاولة الحوار ووقعنا على اتفاق 26 أبريل 2011». استخلصت الملكية والقيادات النقابية درسها من التجربة التونسية، أدركت دور «الاتحاد العام للشغل» في دعم الثورة، لذلك تضافرت جهودهما لتفاديه في المغرب.

ثم تقدمت الدولة بجملة تنازلات كبيرة لم يكن أحد يستطيع تصوّرها لولا لفح لهب الثورة في المنطقة ككل. ارتفعت النفقات العامة عام 2011 بنسبة» %15.9، خاصة تحت تأثير نفقات دعم مواد الاستهلاك والأجور، ووظفت الدولة أكثر من أربعة آلاف من حاملي الشهادات العليا، وغضت الطَّرْف عن البناء غير المرخص وعن «غزو» الباعة الجائلين للشوارع.

دعا الملك إلى إجراءات همت الدعم المالي وتخفيف عبء الديون عن 200 ألف فلاح. وعلى نقيض حرصه سابقًا على مراعاة التوازنات المالية، اضطر إلى الانحناء مؤقتًا للعاصفة، وصرّح في 26 أبريل 2011: «مهما تكن التكاليف المالية التي تتطلبها هذه التدابير، فإن غايتنا المثلى هي جعل الفلاحين الصغار في صلب التنمية البشرية والقروية».[10] لا يتعلق الأمر إذًا برسوخ الملكية في الوجدان المغربي بل بحصيلة صراع اضطرت الملكية فيه إلى تقديم تنازلات من أجل رده على أعقابه.

بعد أن عزل الملك الحركةَ عن قاعدتها الاجتماعية المفترضة، تفرّغ لـ«المعركة الدستورية». ورغم ذلك ففي خطاب 9 مارس 2011 –الذي أُضْفِيَ عليه طابع الحدث التاريخي– لم يدَّع الاستجابة لمطالب الحركة، بل اعتبره استمرارًا لتعزيز «المكاسب المؤسساتية» وتطوير نفس «النموذج الديمقراطي التنموي».

تمكنت الملكية من تمرير الدستور عبر المألوف من أساليب الحشد وتدخُّل وزارتي الداخلية والأوقاف الإسلامية وقمع تظاهرات حركة 20 فبراير المعارضة للدستور. ونظمت الانتخابات التشريعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، صعد على إثرها «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي إلى حكومة الواجهة. استطاعت الملكية بهذا ادعاءَ استجابتها لمطلب شعبي وفي نفس الوقت مسايرة استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ثورات المنطقة القائمة على «انتقال ديمقراطي سلس» بإدماج الإسلاميين.

يميل كثيرون إلى تحميل الشعب مسؤولية ما حدث، إذ هو الذي انتخب الحزب ذاك. لكن بِغض النظر عن نسب التصويت وقاعدة احتسابها فإن الانتخابات آلية تنبع من صميم الأوضاع قبل الثورية والثورية ذاتها. فعندما تستيقظ الجماهير لأول مرة وتفتح عيونها على الحياة السياسية (في شروط تخلف سياسي مديد وغياب قوة ثورية) نجدها تبحث عن صيغة سياسية بسيطة تعبّر مباشرة عن تطلعاتها عبر غلبة العدد. والتعبير السياسي عن هيمنة الأغلبية هو الانتخابات ومجمل الديمقراطية الشكلية. صدَّقت أقسامٌ من الجماهير وعودَ «حزب العدالة والتنمية» بشأن «الإصلاح في ظل الاستقرار» و«محاربة الفساد»، وأملًا في تغيير دون كلفة غالية، وجّهت أصواتها نحوه، عقابًا للأحزاب السابقة.

أنهت حركة 20 فبراير حقبة سياسية مديدة تميزت بالتقاطب بين الملكية والأحزاب الموروثة عن الحركة الوطنية البرجوازية. ضَمُرَت القوة الانتخابية لهذه الأخيرة (خصوصًا الاتحاد الاشتراكي) وهَزُل اليسار الجذري حدَّ الانتفاء. وبرز تقاطبٌ جديد بين الملكية وتنظيمات الإسلام السياسي. لكن كما هو شأن الأول فإن هذا التقاطب لا يعبّر عن تناقض طبقي بل عن خلاف وخصومة سياسية تقف على الأرضية الطبقية نفسها، وهي إيجاد أفضل السبل لتأمين سير آلية المجتمع الرأسمالي وإخضاع الطبقات الشعبية. وأي نهوض ثوري مستقبلًا سيجد الإسلام السياسي على أهبة استثماره سياسيًا كما حصل في مصر وتونس عام 2011.

حركة 20 فبراير: كشف حساب

عندما تندلع الثورات تتقدم الطبقات الاجتماعية بمطالبها وتطلعاتها. ويفوز أكثرها تنظيمًا وتسلحًا ووعيًا ومبادرة. وهو ما حدث عام 2011 في المغرب. إذ خرجت البرجوازية والملكية ظافرتين، بينما مُنيت الطبقات الشعبية بهزيمة، على الرغم من بعض المكاسب الجزئية التي سرعان ما استُردَّت.

أ. المسألة الدستورية: تكريس الملكية التنفيذية

أصرت الملكية عبر تاريخها على كون الدستور ممنوحًا لا تأسيسيًا. ففي عام 1909 أمر السلطان عبد الحفيظ بجلد الفقيه محمد ابن عبد الكبير الكتاني قائد الحركة الإصلاحية التي أسقطت السلطان عبد العزيز ووضعت أول دستور يفرض شروط البيعة على السلطان، ومات الفقيه إثر ذلك. وفي عام 1965 اختُطِف المهدي بن بركة (أحد زعماء الحركة الوطنية البرجوازية) في باريس ولقي نحبه، وذلك لإصراره على المطالبة بجمعية تأسيسية. هذه هي «الإرادة السياسية» الحقيقية للملكية، التي تشتكي المعارضة البرجوازية من غيابها. وفي عام 2011 عين محمد السادس لجنة لاقتراح تعديلات دستورية راسمًا لها حدود التعديل.

من بين كافة الكتابات الأكاديمية التي تقيِّم دستور 2011 تقدّمت رقية مُصدَّق بأفضلها (وهي أستاذة العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة محمد الخامس في الرباط): «يُعَدُّ الدستور الجديد خطوة إلى الوراء في مسارنا السياسي والدستوري»،[11] واصفةً إياه بـ«الدستور التقديري»؛ حيث لا تَخضَع صلاحيات الملك للدستور بل لسلطته التقديرية، فيمنح نفسه صلاحية تعديل الدستور من دون الرجوع إلى الاستفتاء (الفصل 174 من الدستور). لكن فيما تركز مصدَّق على الجانب الدستوري الشكلي، تُغفل هي مضمونه الاقتصادي -أي الطبقي- في تحليلها الأخير.

حافظ الملك على السلطة الفعلية عبر حكومة ظل من مستشاريه ومعاونيه الخبراء، فيما شكلت الحكومة الرسمية مجرد واجهة. أبقى الدستور الجديد على القوة الاقتصادية للملكية حيث يستأثر الملك بصلاحيات تحديد قائمة الشركات والمؤسسات «الاستراتيجية» وتعيين مديريها ويتمتع مجلس الوزراء الذي يترأسه الملك بصلاحية تقرير «التوجهات الاستراتيجية لسياسات الدولة»، بينما قَنَعَ مجلس الحكومة بالجانب التدبيري والإجرائي. ولخطابات الملك قوة تشريعية مُلزِمة، هي قوة لا يتمتع بها البرنامج الحكومي الذي تصرّح به الحكومة عند تنصيبها أمام البرلمان.

بـ. مكاسب أرباب العمل

استجاب الملك لمطالب أرباب العمل، ونص الدستور الجديد في فصله 35 على ضمان الملكية الخاصة وحرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر. نفذت الدولة مطالب أرباب العمل في ما يخص السياسة الضريبية وانخفض العبء الضريبي على نحو ملحوظ، ولا سيما عبر الضريبة الرئيسية المفروضة على أرباح الشركات، والضريبة المفروضة على الشركات التي انخفض معدلها من %30 إلى %10 فانطبق على %79 من الشركات التي تخضع للضريبة، أي على الجزء الأكبر كما نرى بوضوح. ومرة أخرى حققت الحكومة رغبات رجال الأعمال وكبار مديري الشركات إلى حد كبير.[12]

ولتمويل عجز الميزانية الناتج في جزء منه عن المحاباة الضريبية لأرباب العمل ارتهنت الدولة بالمديونية أكثر من السابق.

تطور نسبة مديونية المغرب من الناتج المحلي الإجمالي بين الأعوام 2012 و2016:[13]

2016 2015 2014 2013

2012

العام

65.0

64.2

63.4

61.5

59.7

الدين العام

بعد سنوات من تطبيق السياسات النيوليبرالية، استغلت الملكية ظرفية التعديل الدستوري، لتحويل سياسة التقشف إلى ثوابت دستورية (الفصل 77 من دستور 2011).

ج. استعادة الفتات الذي قُدِّم للطبقات الشعبية

هدمت الدولة آلاف المنازل التي بُنيت خارج المسطرة القانونية، وأُفرِغت الشوارع من الباعة الجائلين نهاية عام 2011. وفي عام 2012 رفض رئيس «الحكومة» عبد الإله بن كيران تنفيذ مرسوم يقضي بتشغيل معطلين ذوي شهادات عليا كان وقع الوزير الأول السابق عباس الفاسي عليه بتاريخ 20 يوليوز/تموز 2011. وخُفضت نفقات صندوق المقاصة بنحو 15 مليار درهم [تقريبًا مليار و300 مليون أورو] في عام 2016.

باشرت الدولة منذ عام 2013 وتحت إلحاح البنك العالمي بمسلسل «إصلاح الوظيفة العمومية» بمنطق نيوليبرالي (تقشفي) قائم على تعميم أشكال العمل بالعقدة محددة المدة، وتفكيك الوظيفة العمومية المركزية وتقليص كتلة الأجور وإصلاح أنظمة التقاعد؛ والغاية النهائية –كما صرح الملك في خطاب عيد العرش في 30 يوليوز/تموز 2017– هي نقل علاقات الشغل القائمة في القطاع الخاص إلى القطاع العمومي.

ستنتج عن هذه السياسات نضالات اجتماعية وعمالية، لكن الدولة –وبتعاون مع معارضة ليبرالية ورجعية دينية وبيروقراطيات نقابية تحرص على السلم الاجتماعي– تتمكن دائما من رد النضالات هذه على أعقابها، مع تنازلات جزئية لا توقف جوهر الهجوم النيوليبرالي ويسهل استردادها بإجراءات مضادة.

طُوِّقت الحريات التي اكتسبها الشعب بنضاله في الشارع. صودق على مدونة الصحافة والنشر (10 غشت/آب 2016)، وتتالت محاكمات عديدة بسبب تدوينات نُشرت على الشبكات الاجتماعية واعتُقل صحفيون بتهم ملفقة (توفيق بوعشرين، سليمان الريسوني، عمر الراضي…) وسُلّط القمع على حراكي الريف وجرادة (2017-2018) بحصيلة ثقيلة من أحكام السجن. وقَتل البوليس عماد العتابي في الحسيمة في يوليوز/تموز 2017 وعبد الله حجيلي في تظاهرة لشغيلة التعاقد المفروض في ماي/أيار 2019، ويستمر حصار وقمع أنصار تقرير المصير في مدن الصحراء. ويجري الإعداد للمصادقة على قانون يكبل حق الطبقة العاملة في إعلان الإضراب.

حراك الريف: نضال شعبي بنَفس سياسي وخصوصية محلية

لم يتوقف النضال الشعبي بعد انطفاء حركة 20 فبراير. ففي منطقة الريف مثلًا استمرت المناوشات الشعبية، وكانت الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين في ريادتها.

للريف خصوصية تاريخية. فبعد توقيع معاهدة الحماية الاستعمارية عام 1912، أُلحق الريف بالاستعمار الإسباني، ونجحت ثورة تحررية فيه بقيادة عبد الكريم الخطابي في هزم إسبانيا وبناء جنين دولة مستقلة. ولأن الإمبريالية الإسبانية كانت متخلفة جدًا فقد تركت الريف كما دخلته. وبعد الاستقلال عام 1956 أُلحِقَ الريف بالمنطقة التي كانت تابعة لفرنسا والتي كانت الأكثر تطورًا، فعُوِّضت البسيطة الإسبانية بالفرنك الفرنسي والجهاز الإداري المحلي الأكثر استقلالية بجهاز إداري محكوم من الرباط بمركزية أكبر.

حفز هذا انتفاضة عام 1958، التي قمعها النظام باستعمال الجيش والقصف بالطائرات. تكرر القمع مع انتفاضة 1984 على خلفية النتائج الاجتماعية لتطبيق برنامج التقويم الهيكلي. وظلت المنطقة مهمشة تلعق جراح القمع، معتمدةً بالدرجة الأولى على التهريب المعيشي والهجرة إلى أوروبا وزراعة الكيف. تأزَّم الوضع بعد عام 2011 مع التضييق على الهجرة إلى أوروبا وخنق تجارة التهريب (مع مليلية). ولم يتطلب الأمر أكثر من شرارة لإشعال الحريق.

كانت الشرارة في أكتوبر/تشرين الأول 2016، حين قُتل محسن فكري (تاجر سمك) طحنًا في حاوية أزبال بعد مصادرة سلعته. انطلقت التظاهرات وعمت مجمل منطقة الريف واستمرت طيلة عام 2017، وانتهت عمليًا مع قمع مسيرة 20 يوليوز/تموز 2017 ودخول الحراك دهاليز المحاكمات التي انتهت بأحكام قاراقوشية (منها 20 سنة سجنًا نافذة لقائد الحراك ناصر الزفزافي وبعض رفاقه).

طالب محتجو الريف بتنمية منطقتهم (بنية تحتية طرقية وتعليمية واستشفائية)، لكن نظرًا للخصوصية التاريخية والمحلية للمنطقة حمل الحراك مضمونًا سياسيًا: مواجهة صريحة مع الملكية وتحميلها مسؤولية ما آلت الأوضاع إليه –عكس ما يجري في نضالات أخرى التي تُوَجَّهُ ضد الواجهة المؤسسية للملكية (من حكومة وبرلمان وأحزاب) – ورُفض حمل علم الدولة الذي عُوِّض براية الثورة الريفية.

النظام يقطف ثمار الانتصار في ميدان السياسة الخارجية

تُقدم الملكية نفسها نموذجًا لاستقرار سياسي في محيط مضطرب تدمره الحروب الأهلية والفوضى. وتريد بذلك قطف ثمار تعاونها المديد مع الإمبريالية (فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى) والصهيونية، من أجل انتزاع مكاسب اقتصادية واستراتيجية.

انتقد البنك الدولي في تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2020 تأخُّرَ إقامة منطقة تجارة حرة في المنطقة العربية، أشار فيه إلى الصراع العربي الإسرائيلي وقضية الصحراء بقوله: «يَحُول الصراع بين الضفة الغربية وغزة وإسرائيل، والعلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر… من بين أمور أخرى، دون تشكيل تكتل أكثر وحدة وتماسكا بين بلدان المنطقة».[14]

أما عن الإمبريالية العالمية فتعدّ فلسطين والصحراء الغربية ملفّين موروثان عن فترة النضالات المعادية للاستعمار والأنظمة «التقدمية» أثناء الحرب الباردة. حملت التحولات الاقتصادية والسياسية الجارية في المنطقة العربية والقارة الأفريقية إلى الحكم أنظمةً ورؤساء وأحزاب انفصلت عن ماضي التحرر الوطني، وأصبحت أنظمة مندرجة كليًّا في العولمة الرأسمالية ومنصاعة لمؤسسات رأس المال العالمي. لذلك أصبحت الأنظمة هذه ومعها الإمبريالية العالمية تنظر إلى القضيتين كمعرقل لاندماج المنطقة اقتصاديًا واندراجها في العولمة الرأسمالية.

تعي الإمبريالية العالمية ومعها النظام المغربي تَبَدُّلَ السياق جذريًا. استفادت الملكية من الأزمة الاقتصادية العالمية التي ابتدأت عام 2008، وقدمت نفسها وسيطًا مثاليًا أمام رأس المال العالمي المتنافس على القارة. كما استفادت من تداعيات الانتفاضة الإقليمية لعام 2011، لتقدم نفسها نموذجًا لنظام مستقر سياسيًا وضامن لمصالح الإمبريالية وسدًا منيعًا أمام الهجرة السرية والإرهاب، وتسعى حاليًا للاستفادة من توجه رأس المال العالمي لتقصير سلاسل القيمة العالمية وإلى إعادة تركيزها جهويًا إثر أزمة كوفيد-19 فتقدم نفسها بلدًا نموذجيًا لتحقيق لذلك.

أ. قضية الصحراء الغربية

ظلت قضية الصحراء أحد ثوابت المَلكية. في 28 مارس/آذار 1986 أدلى الحسن الثاني بالتصريح التالي لجان دانييل (مراسل عسكري وصحفي فرنسي): «بعد المسيرة الخضراء قلت لابني: إذا عرفتَ كيف تسوس، فإنني منحتُك قرنا من الهدوء».[15]

تندرج تطورات قضية الصحراء الغربية في صلب التحولات التي تشهدها المنطقة. فسقوط أكبر داعمي الجمهورية الصحراوية (القذافي) وأزمة النظام الجزائري ومحيط الانهيار الإقليمي، يجعلان النظام المغربي مثل ربان سفينة تجري الرياحُ بما تشتهي سفنُه.

نهجت الملكية استراتيجية اقتصادية منذ ما يقارب عقدًا من الزمن، قوامها تحويل المغرب إلى منصة إطلاق للاستثمارات الإمبريالية نحو أفريقيا يشارك فيها رأس المال الكبير المغربي ويقطف النظام ثمارها السياسية، عبر انتزاع مواقف حول قضية الصحراء من الدول الإمبريالية التي تفضّل نظامًا مستقرًا لضمان مصالحها وغزو أفريقيا اقتصاديًا.

ولعل أكبر نصر سياسي حققته المَلكية هو عودتها إلى الاتحاد الأفريقي عام 2017 (بعد 32 سنة من الانسحاب من «منظمة الوحدة الإفريقية»[16]) بدعم واسع من الدول الأعضاء ومن دون شروط، ما يعكس تغير ميزان القوى على الصعيد القاري. اندفع النظام المغربي في سياسة هجومية ترتكز على المصالح الاقتصادية للنفاذ إلى بلدان عديدة كانت علاقته بها معدومة، ما سيغير موقفها من قضية الصحراء.

يضاف إلى ذلك انزياح تقارير الأمم المتحدة لتبني رؤية الدولة المغربية، خصوصا تواري مهمة إجراء الاستفتاء مقابل التأكيد الدائم على حل متفاوض عليه، والإشادة بجدية مقترح الحكم الذاتي المغربي، والتنصيص على مفهوم المنطقة العازلة ورفض الأمم المتحدة أي تغيرات هناك، والدعوة إلى إحصاء محايد للاجئي المخيمات… إلخ، وهو ما تشتكي منه «جبهة البوليساريو» بشكل متواتر.

ومؤخرًا زاوج النظام المغربي بين موقفِ الولايات المتحدة الأمريكية –التي فتحت قنصلية لها في مدينة العيون الصحراوية– وموقفِه من التطبيع مع إسرائيل، لتعميق تلك المكاسب. وفي ذات السياق استغل النظام المغربي الأحداث المعروفة بـ«أحداث الكركرات» أواخر عام 2020 لدفع مكاسبه إلى أقصاها. بعد إغلاق أنصار جبهة البوليساريو لمعبر الكركرات على الحدود مع موريتانيا، فرض النظام المغربي الأمر الواقع مُشيِّدًا حزامًا أمنيًا لتأمين انسيابية التنقل عبر المعبر، كان بمثابة نهاية وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه عبر الأمم المتحدة منذ سبتمبر/أيلول 1991، ما دفع البوليساريو لإعلان الحرب. لكن هذه الأخيرة ظلت مجرد مناوشات على نطاق ضيق جدًا، بشكل لا يؤثر على المكاسب الميدانية التي حققها النظام المغربي.

وقد استفادت الملكية من تناقضات «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وتحرير وادي الذهب»، الّتي نتجت عن تحولها المديد من حركة تحرر وطني إلى جهاز دولة (الجمهورية العربية الصحراوية) بجهاز بيروقراطي متضخم من شرطة وجيش وسلك ديبلوماسي، يعيش على الإعانات الخارجية وتابع بشكل شبه كلي لعسكر الجزائر. تشبه تحولات الجبهة تلك التحولات التي وقعت داخل منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تحدث جلبير الأشقر[17] عن انحطاطها، مستعملًا تعبير «المسيرة الطويلة إلى الوراء»، فكلاهما أصبح جهاز دولة بدون أرض، ويسعى للحصول عليها لممارسة تلك السلطة، حتى وإن اقتضى الأمر مراجعات سياسية واستراتيجية واعتمادًا شبهَ كليٍّ على ما يُطلق عليه المنتظم الدولي وشرعيته، مع تفادي أي نضال ميداني قد يُعقِّد الحصول على هذا التعاطف.

أصبحت الديبلوماسية الملكية هجومية، مستفيدة من هامش التحرك الذي يمنحه التنافس الإمبريالي على القارة. وأضحت الملكية هي من يبتز بعد أن كانت عرضة للابتزاز مدة عقود: يكفي أبسط حدث لتستدعي الرباط سفير دولة للاحتجاج، وهذا ما وقع مع ألمانيا في مايو/أيار 2021 على إثر تصريحات وزيرة خارجيتها بخصوص اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء، ومع إسبانيا بسبب استقبالها لرئيس الجمهورية العربية الصحراوية لغرض الاستشفاء في أبريل/نيسان عام 2021، واستغلت دورها كدركي الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة السرية للضغط على إسبانيا عبر السماح لمئات القاصرين بالهجرة نحو مدينة سبتة. وبحكم الموقع الضعيف لإسبانيا ضمن التراتبية الإمبريالية العالمية، قد تكتسب الملكية –معززةً بانتصاراتها الديبلوماسية ومكانتها الاقتصادية– نَفَسًا يعزز مكانتها داخليًا وخارجيًا، بشكل يفوق تأثير المسيرة الخضراء عام 1975، إن تمكنت من انتزاع تنازل من إسبانيا، ولو على شكل صفقة ديبلوماسية (شبيهة بتلك التي وقّعتها بريطانيا والصين عام 1889 حول هونغ كونغ) تنهي وضع المدينتين في أمد بعيد.

بـ. عودة العلاقات الرسمية مع الكيان الصهيوني

يمكن استعارة عنوان كتاب الكاتب عادل سمارة لوصف علاقات النظام المغربي مع إسرائيل: «التطبيع يسري في دمك». فعلاقات الملكية المغربية مع إسرائيل قائمة منذ الاستقلال الشكلي. استعرض آدم هنية في كتابه «جذور الغضب» سيرورة تطور العلاقة بين الدول العربية (وضمنها المغرب) وإسرائيل، وأدرجها في سياق اندماج دول المنطقة في استراتيجية الإمبريالية القائمة على تحويلها إلى منطقة كبيرة للتبادل الحر والاستثمار.

وفيما اضطر النظام المغربي إلى إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط في أكتوبر/تشرين الأول 2000 تحت ضغط شعبي في سياق التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، سيستغل ميزانَ القوى المائل حاليًا لصالح قوى الثورة المضادة في المنطقة العربية، ومكاسبَه السياسية بعد مروره من عاصفة 20 فبراير بسلام، ووزنَه الإقليمي، ومكانتَه لدى الإمبريالية ليجاهر بإعادة علاقاته مع الكيان الصهيوني، فيوقع اتفاقًا بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 برعاية أمريكية.

لم يسبق للملكية في تاريخها أن حققت إجماعًا داخليًا وخارجيًا كما هو الآن، لذلك فهي تزهو مثل البطل الأسطوري اليوناني أخيل. ولكن كما لأخيل عَقِب، فإن للملكية عقبين؛ الأول هو تفجرية الأزمة الاجتماعية التي تحاول تنفسيها، والثاني هو التطورات المستقبلية للأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها على آمال الملكية بلعب دور الفصيلة الأمامية للرأسمال العالمي من أجل نهب ثروات أفريقيا وغزو سوقها.

خاتمة

تستفيد الإمبريالية والأنظمة الاستبدادية من التقوقع القُطْرِي للنضالات الشعبية والعمالية. فَتَحَت السيرورة الثورية عام 2011 ثغرة لانعتاق جماعي لشعوب المنطقة. تجلّت البوادر الأولى لحراك 20 فبراير، في وقفات تضامنية مع الشعبين التونسي والمصري أمام سفارة البلدين. لكن مع انطلاق التظاهرات وتحول الرهان من الشارع إلى معركة دستورية وانتصار الثورة المضادة انكفأ ذلك المنظور التقاطعي إلى حدود القطر الواحد.

سيندرج انعتاق الشعوب ضمن منظور مغاربي وعربي وأفريقاني ضمن الرهانات الكبرى للسيرورات الثورية وهي تتجاوز سنتها العاشرة هذا العام (2021). من دونها لن تتمكن الطبقات العاملة والشعبية في المنطقة من الانتصار على الطبقات السائدة وأنظمتها الحاكمة التي عمّقت اندماجها مع الرأسمال الإمبريالي والخليجي وتطبيعها مع إسرائيل.

صرّح النظام –تحت ضغط تقرير للبنك الدولي سنة 2017– بفشل «النموذج التنموي» الذي كيل المديح له سابقًا. ونصب الملك لجنة لإقرار نموذج تنموي بديل تبيَّن أنه نفس النموذج النيوليبرالي مع مزيد من المساحيق الاجتماعية التي تهدف إلى لتسكين آلام أكثر ضحاياه بؤسًا. ومرة أخرى وافقت البيروقراطية النقابية وأحزاب المعارضة البرجوازية على المبدأ هذا ونقاش تفاصيله.

تعتبر المسألة الاجتماعية في المغرب المفجر الأكبر للنضالات الاجتماعية: البطالة وتنمية الهوامش والسيادة الغذائية والخدمات العمومية وملكية الأرض وثرواتها. وتجعل حِدَّةُ الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والصحية (جائحة كورونا)، المرجلَ يغلي، وحين يصل درجة الغليان لا بد أن ينفجر في وجه صناع الأزمة (أرباب العمل ودولتهم).

سيستفيد النضال هذا من التجربة المتراكمة منذ عقود. ولكن إذا لم تُخصِّب الخبراتُ المكتسبة هذه المعاركَ النضالية القادمة، فمن المحتمل أن ينفجر الاستياء الاجتماعي على شكل تشنجات وخضات دون أفق سياسي يقمعها الاستبداد ويستفيد فيه من قوارب النجاة التي تمده بها المعارضات البرجوازية الطامعة تَفَهُّمَهُ لهذه المساعدة مقابل استجابة لمطالبها حول الإصلاح السياسي والدمقرطة عبر جرعات.

إن وحدة الصف العمالي والشعبي ضرورة حيوية لمستقبل الكادحين-ات وضمان تفادي الكارثة المحدقة بهم-هنّ. لذلك يُعَدُّ العمل على بناء أواصر التعاون النضالي المشترك بين أدوات نضال الطبقة العاملة (نقابات وتنسيقيات وحركات ضد البطالة…) ضرورةً في وجه هجمات أرباب العمل. هذه الوحدة شرط لا غنى عنه لقيادة باقي شرائح الشعب الكادح (صغار المنتجين-ات في المدن والقرى، الطلاب-ات…). ستشكل الشرائح هذه من دونه جمهورًا سلبيًا ينتظر صدقات النظام أو احتياطيًا جماهيريًا لقوى رجعية تقف على نفس الأرضية الطبقية مع الاستبداد: الحفاظ على النموذج الاقتصادي والاجتماعي القائم مع تلطيف أبشع آثاره بلمسات إحسانية.

ليست حركة 20 فبراير كاشفًا عما كان مُعَدَّا قبلها فحسب، إنّما كذلك موشورًا لاستشراف المستقبل. وإذا كانت عزلة الحراك السياسي عن مثيله ذي المطالب الاجتماعية والاقتصادية أحد عوامل وأدِ حراك 20 فبراير، فمن شأن دمجهما مستقبلًا أن يُسْهِمَ في الظفر ليس بحرية سياسية وحَسْب –يكون رأس المال هو المستفيد الرئيسي منها– بل كذلك بإسقاط مجمل نظام الاستبداد النيوليبرالي وإرساء ديمقراطية حقيقية تشمل الجميع بما فيه المطالبين-ات بالنظام الجمهوري والعلمانية وأنصار استقلال الصحراء. وبدل مطلب الإصلاح الدستوري العزيز على قلب المعارضة الليبرالية والرجعية الدينية، يجب العمل على وضع إسقاط دستور 2011 النيوليبرالي على رأس المطالب الشعبية مستقبلًا، وذلك من أجل مجلس تأسيسي يختار عبره الشعب –ولأول مرة في تاريخه– شكل الدولة ومضمونها.

ستكون هذه مهمة طلائع النضال العمالي والشعبي التي عليها أن تظفر بدايةً باستقلالها السياسي عن مجمل التعبيرات السياسية البرجوازية المعارضة (ليبرالية كانت أم رجعية دينية) التي تستخدم الشغيلة لصالح مشاريع برجوازية. وسيكون إسهامُ كل من ينسب نفسه إلى المشروع التاريخي للطبقة العاملة دورٌ في هذا الإنجاز التاريخي الضخم والعظيم.

نبذة عن الكاتب/ة

علي أموزاي مناضل وباحث من المغرب. هو عضو في تيار المناضل-ة (تيار عمالي اشتراكي ثوري) وناشط ضمن حركة 20 فبراير. كتب أبحاث ومقالات عدّة نشرت في مواقع عدّة من بينها موقع «أطاك المغرب» وموقع «شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية».

تشكّرات

تدقيق لغوي: ياسمين حاج

صور بيانية: فرات شهال الركابي

تمّ دعم هذه النشرية من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ من خلال الدعم المقدم لها من وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية للجمهورية الاتحادية الألمانية . يمكن الاقتباس من هذه النشرية أو أي جزء منها مجانا طالما تتم الاشارة إلى النشرية الأصلية.

محتوى هذه النشرية هو المسؤولية الحصرية للمؤلف ولا يعكس مواقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

[1] – جمعية أطاك المغرب. (2019) «دفاعًا عن السيادة الغذائية في المغرب» (الطبعة الأولى)، ص. 119.

[2] – آدم هنية. (2020) «جذور الغضب، حاضر الرأسمالية في الشرق الأوسط»، ترجمة عمرو خيري. الجيزة مصر: دار صفصافة للنشر والتوزيع، ص. 153.

[3] – عبد العالي حامي الدين. (2018)، «بين التأويل الديمقراطي للدستور وواقع الممارسة. عن الأساس الديمقراطي للسلطة التنفيذية في ظل دستور 2011»، مساهمة ضمن «20 فبراير، ومآلات التحول الديمقراطي في المغرب» (الطبعة الأولى). الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص. 242.

[4] – هيئة أسسها الملك محمد السادس عام 2004 لتصفية ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إبان عهد الحسن الثاني.

[5] – جلبير الأشقر. (2013) «الشعب يريد، بحث جذري في الانتفاضة العربية» (الطبعة الأولى)، ترجمة عمر الشافعي. بيروت: دار الساقي، ص. 77- 78.

[6] – إدريس شكربة (2016) «المالية العمومية في المغرب: بين حفز النمو وتدبير الأزمة»، مساهمة ضمن «مغرب ما بعد حراك 2011، ماذا تغير؟»، مجموعة من المؤلفين، تنسيق محمد باسك منار. الدار البيضاء: المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، مطبعة النجاح الجديدة.

[7] – عبد الله الحريف. (2008) «لسنا جمهوريين ولسنا ملكيين». 9 سبتمبر/أيلول 2008. «موقع هسبريس» https://www.hespress.com/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A7-%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%88%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A7-%D9%85%D9%84-11019.html.

[8] – جلبير الأشقر. (2017) «هل يستطيع الشعب إسقاط النّظام والدولة لاتزال قائمة؟»، «مجلة بدايات» 16 (2017).

[9] – رشيد البوصيري (2016). «مغرب ما بعد حراك 2011، ماذا تغير؟». الدار البيضاء: المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، مطبعة النجاح الجديدة، ص 277.

[10] – «نص الرسالة الملكية إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الرابعة للفلاحة»، 26 أبريل 2011.

[11] – رقية مصدق. (2018) «ملكية دستورية أم ملكية تقديرية»، مساهمة ضمن «20 فبراير، ومآلات التحول الديمقراطي في المغرب»، مرجع مذكور، ص. 208.

[12] – للمزيد من التفاصيل انظر-ي نجيب أقصبي. (2018) «بين عجز الاقتصاد الكلي وعجز الديمقراطية، الاقتصاد المغربي عقب 2011»، المرجع السّابق، ص. 471 و472 و474.

[13] – المرجع السابق، ص 456.

[14] – مجموعة البنك الدولي. (أكتوبر 2020) «تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، ص 41.

[15] – جيل بيرو. (2002) «صديقنا الملك» (الطبعة الأولى)، ترجمة ميشيل خوري. دمشق: ورد للطباعة والنشر، ص 268.

[16] – تأسست عام 1963، وحل محلها الاتحاد الأفريقي عام 2001.

[17] – جلبير الأشقر. (2004) «الشرق الملتهب، الشرق الأوسط من منظور ماركسي». بيروت: دار الساقي.