ماذا بإمكان منجم قديم أن يُخبرنا عن الانتقال الطاقي العادل؟

دروس من الحراك الاجتماعي حول التعدين والطاقة المتجدّدة في المغرب

كارين ريغنال

Print Friendly, PDF & Email

عندما خرجت الاحتجاجات ضد مُنشأة جديدة للطاقة الشمسية في جنوب شرق المغرب عام 2011، قارن أعوان الدولة وسكان المناطق الريفية على حدّ سواء ذلك الاحتشاد بنزاعات مُزمنة كانت تدور حول منجم كوبالت قريب1. وفي حين حاول المسؤولون إدارة حالة المعارضة السياسية لحماية تلك المشروعات الكبرى، كانت لدى السكان بواعث قلق أخرى. فقد ثارت تساؤلاتهم حول من يملك هذه الموارد: الأرض التي تنهض عليها المشروعات، والثروات التي تجنيها. كانوا يريدون فرص العمل، والتنمية الاقتصادية التي تم تسويق تلك المشروعات بصفتها قادرة على تحقيقها. منذئذ، اشتدّت الصراعات حول استخراج الفضة والكوبالت والفوسفاط ومشاريع الطاقة المتجددة. والسكان أنفسهم  يشيرون إلى أوجه تشابه بين الآثار الاقتصادية والإيكولوجية والسياسية لهذه المشروعات التي تبدو مختلفة الطابع بعضها عن بعض.2 فالسكان قلقون إزاء الآثار المادية – من  فرص العمل المحدودة وضعف الاستثمار في الاقتصاد المحلي والاستيلاء على المياه الشحيحة – لكنهم يقولون أيضًا بأنّ الديناميات السياسية لهذه القطاعات المختلفة تعبّر عن أشكال مزمنة من القمع والتهميش. إذ أنّ أوجه التشابه الظاهر بين التعدين وإنتاج الطاقة الشمسية تتجاوز ظاهرة اختلال القوة (حيث يُطلَب من السكان المُهمَّشين الريفيين مرّة أخرى أن يتحملوا كلفة التنمية الوطنية التي تصبّ في صالح الشركات الخاصة وسلطة الدولة). الواقع أن أوجه التشابه والامتداد من النمط الاستخراجي إلى الطاقة المتجددة تثير أيضًا تساؤلات حول كيفية العمل من أجل انتقال عادل، ليس للمغرب فحسب، إنّما أيضًا لكافة دول العالم التي تسعى إلى زيادة مشروعاتها من الطاقة المتجددة، وعادة ما يكون هذا في مناطق لها تاريخ طويل من التعدين. كيف يمكن أن تتم الدعوة إلى اعتماد أشكال جديدة من الطاقة لا تعيد إنتاج نفس أوجه اللامساواة الاقتصادية والسياسية التي تُعَدُّ جُزءًا لا يتجزأ من الرأسمالية المسيّرة بالوقود الأحفوري؟ إن تشخيص ما نحتاجه من أجل “الانتقال من كذا” ضروري للتعرف على ما نحتاجه في مسار “الانتقال إلى كذا”. هذا التشخيص يتجاوز فكرة النقد. إنه ضروري أيضًا للتعرف على أشكال وأنماط “السياسة الجماعية” اللازمة لإنتاج انتقال عادل.

يحتاج العمل نحو تحقق انتقال عادل إلى استكشاف ووضع خارطة تشمل بالتفصيل كيف يحدث إنتاج الطاقة في هذه الأماكن أو تلك. ففيما وراء السياسة الوطنية أو الدولية، ما هي الإجراءات البيروقراطية والقانونية التي تبثّ الروح في هذه المشاريع لصالح الناس والأماكن المحيطون/المحيطة بالمشاريع؟ هذه الخارطة يمكن أن توثّق أيضًا كيف يحتشد الناس في سياسات الاختلاف على المستوى المحلي بأشكال مفيدة لهم، حتى عندما يبدو في الظاهر أنهم يفتقرون إلى القدر الكبير من القوة/السلطة. هذا “التمرين” السياسي والتحليلي مهم بصورة خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ إذ أنّ المناقشات حول الانتقال العادل في المنطقة كثيرًا ما تنعطف باتجاه الحكم الديمقراطي وكيف أنّ سياسات التمثيل الشعبي والشفافية وإعادة التوزيع والمحاسبة لها الأولوية في الحراك الاجتماعي، على حساب ملف العدالة المناخية والتأطير البيئي.3 إنّ التركيز على الانتقال الطاقي العادل بصفته “عملية” تتحرك إلى الأمام، جزئيًا على الأقل في المواجهات اليومية بين السكان والأطراف النافذة، يساعدنا في الانتقال من تسليط الضوء بالأساس على التحول الديمقراطي كمطلب مُسبق ضروري أن يحدث قبل الانتقال العادل، نحو التحول الديمقراطي بصفته خطوة مهمة في ذلك الانتقال.

الانتقال العادل في المغرب

في خريف 2021، وبينما كانت المحادثات المناخية بالأمم المتحدة (COP26) تتهيأ للانطلاق في جلاسجو، بدأ العمل في مشروع بحثي عملي تعاوني بين شركاء مغاربة والمؤلفة، في محاولة للتصدي لمطالب العدالة المناخية المُلحّة في اللحظة الراهنة. الهدف من هذا الجُهد هو الاستفادة من عشر سنوات تقريبًا من الخبرات ببعد مُحدَّد من عمليّة دمقرطَة حركة المطالبة بالانتقال العادل. يهدف المشروع الجديد إلى دمقرطة المعرفة حول النمط الاستخراجي والحكم المحلي في جنوب شرق المغرب، في محاولة لدعم الأشكال المتعددة لحراك الناس وتعبئتهم في هذا الملف. وكجزء من شبكة أعرض من نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني، سبق أن رتّبَ الشركاء في المشروع العلاقات بين مختلف مجموعات السكان المقيمة حول  منجم فضة إميضر، وبين شركة منجم إميضر التي احتجّوا ضدّها.4 أسفَرَ هذا الجُهد  الذي استغرق عدة سنوات (2012-2015) عن  برنامج مسؤولية اجتماعية،  تبنته الشركة الأم التي تنشط بمناجم مناطق جنوب شرق المغرب.5 في حين كانت نتائج هذه الجهود السابقة مختلطة في أفضل تقدير، فإن النشطاء تعرفوا على دروس مهمة حول كيفيّة إحداث التأثير الذي يسعون لتحققه، بصفتهم وسطاء ومناصرين للعدالة الاجتماعية في هذه القضية. لقد قاموا بدمج هذه الدروس المستفادة في سياق أعمال جمعية (Association pour la Promotion de la Médiation au Maroc – APMM) التي تأسست في 2017، وفي المبادرة البحثية العَمَليّة التي دشّنوها في خريف 2021.

يطرح هذا المشروع البحثي العَمَلي نوعين من الأسئلة المهمة من أجل انتقال عادل في المغرب: 1) ما هي القوانين والسياسات والتنظيمات البيروقراطية التي تحكم مشروعات الاستخراج الكبيرة ومشروعات الطاقة المتجددة الضخمة؟ 2) كيف تُسهم علاقات القوة المنعقدة حول الاستخراجية والطاقة المتجددة على المستوى المحلي في تشكيل الحياة اليومية للسكان؟

إنّ التفاعلات اليومية التي تشكّل مُجتمعةً السياسة في المناطق الريفية ليست تفاعلات ضيقة النطاق أو محلية فحسب. بل هي مهمّة على عدّة مستويات، من الإقرار بأشكال الحراك السياسي ذات الأهمّية للسكان الريفيين، إلى إتاحة التعرف على مداخل للاشتباك أو المقاومة القادرة على تغيير مسار مشروعات معيّنة. يحتاج برنامج الانتقال العادل في المغرب – وفي المنطقة ككل – إلى  توسيع  العدسة من التركيز حصرًا على الطاقة أو النمط الاستخراجي، إلى إضافة ضرورة فهم كيفية دمج السكان هذه المشاريع في أهدافهم السياسية الأعرض. ليست مناطق جنوب شرق المغرب الريفية مجرّد “هامش” للدول الغنية (أو حتى الهامش لمراكز المغرب الحضرية) التي تسعى لإزاحة التكاليف البيئية لانتقالها الطاقي إلى كاهل الجنوب العالمي. إنما هي أيضًا مركز للممارسة السياسية التي يجب أخذها في الاعتبار بصفتها نقطة البدء لفهم كيف قد يكون الانتقال العادل في مناطق شمال أفريقيا ذات البيئة القاحلة، لا سيما بالنظر  لأهمية مناطق المغرب القروية في المعارضة السياسية بالمغرب على مدار العقد المنقضي.6

يستعرض هذا المقال كيف يمكن لرسم خارطة القوة/السلطة وتحليل التدابير البيروقراطية أن يساعد في دمقرطة المعرفة بمجال الاستخراج وإنتاج الطاقة، بهدف دعم الحركات المحلية والإقليمية على مسار الانتقال العادل. عملية رسم الخارطة هذه يجب أن تكون مشروعًا تعاونيًا وناقدًا يُشرك سكان المناطق الخاضعة للنمط الاستخراجي بغض النظر عن خلفياتهم وخبراتهم المعرفية أو مستوى فهمهم للغة حقوق الإنسان الخاصة بالحركات الاجتماعية العالمية. يُقَدّم السكان رؤى فريدة من نوعها حول السياسة المحيطة بالاستخراج، ويُظهرون أهمية التحليل السياقي العريض للحُكم القروي، من أجل الانتقال العادل. البرنامج الموضوع هنا عامٌ بالقدر الكافي بحيث يمكن تطبيقه على سياقات أخرى. وهو في حقيقة الأمر قد خرج من كنف مشاركة المؤلِّفة في أعمال الانتقال العادل في مناجم فحم الأبلاش الوسطى في الولايات المتحدة الأمريكية. يبدأ المقال بوصف السياق المعاصر للاستخراج التقليدي والطاقة المتجددة في جنوب شرق المغرب. ثم يوضح منهجية رسم خارطة أربع نقاط اتصال بين الماضي والحاضر، أو بين التعدين وإنتاج الطاقة المتجددة؛ إذ يشارك نفس الأطراف ونفس المصالح المالية في القطاعين القديم والجديد، ثم يوضح الأطر القانونية والبيروقراطية الحاكمة لهذين الصنفين من المشروعات، ونظم جني الربح المحلية، والمطالبات السياسية المحيطة بمسائل التمثيل وإعادة التوزيع.

أشكال النمط الاستخراجي العديدة في جنوب شرق المغرب

إن الدافع وراء هذا التحليل ومبادرة البحث العَمَلي الأعرض المتصلّة به، قد نبَع من السعي إلى فهم أوجه التشابه والتوازي بين مشاريع الطاقة الشمسية على جانب، وأعمال التعدين التقليدية على الجانب الآخر، التي تم ذكرها في مطلع هذا المقال. تم الإعلان عن تركيبات NOORo للطاقة الشمسية التي كان من المقرر ربطها بالشبكة العمومية في ورزازات عام 2010 بصفتها “مرحلة جديدة نظيفة تمثل قطيعة مع الماضي”. تم الاحتفاء بمنشأة الطاقة الشمسية المُركّزة (CSP) هناك كمشروع أساسي وكبير في خطة المغرب للطاقة الشمسية، حيث تَقَرَّر نقل البلاد من الاعتماد شبه الكامل على الوقود الأحفوري المستورَد من الخارج إلى إنتاج 52 بالمئة من طاقة المملكة من المصادر المتجددة بحلول عام 2030. 7 ورغم الاحتفاء الدولي بهذا الهدف الطموح وتحول الحكومة الملحوظ نحو التأطير البيئي لسياستها الخاصة بالطاقة، فإن التفاعلات المحلية والإقليمية ذات الصلة كانت متضاربة منذ بداية إنشاءات مشروع NOORo. فالنشطاء والسكان والمسؤولون الحكوميون الذين قارنوا بشكل صريح المظاهرات المحيطة بإجراءات نقل ملكية الأرض، بالاحتجاجات العمالية والبيئية المحيطة بمنجم الكوبالت في بوازار – على مسافة أقل من 200 كيلومتر – كانوا يفهمون تمامًا أنّ خطاب “الانتقال الطاقي” التجميلي المحيط بالمشروع لن يصمد، وأنّ موضوع الطاقة الشمسية منغرس في تاريخ طويل من الاستخراجية بمناطق الجنوب الشرقي القاحلة بالمملكة.

يرجع تاريخ الاستخراج في هذه المنطقة إلى قرون. فمنجم الفضة في إميضر موصوف في كتب مؤرخو العهد الإسلامي القدامى. وأثناء مراحل البحث الأولية للمشروع، ذكر سكان زاكورة أيضًا إمكانية أن تكون بعض المناجم بمنطقتهم مفتوحة منذ عهد الدولة الموحّدية (القرن الثاني عشر). إلا أنّ المناجم الحديثة بالمنطقة بدأ عملها في ظل فترة “الحماية الفرنسية” وما صاحبها من استخراجية مكثفة من قبل المُضاربين ورجال الصناعة والحكام الجهويين (القايد)، وقد فُرض هذا النمط الاستخراجي الحكم الفرنسي على مغاربة مناطق الجنوب الشرقي8. وتشير البحوث الأولية في الأرشيف المغربي إلى أن المضاربات حول وأعمال استغلال المناجم في الجنوب الشرقي تعود إلى ما قبل فرض “الحماية الفرنسية” وإلى ما قبل الانتصار العسكري الفرنسي الحاسم في بوغافر (إقليم تنغير حاليًا) عام 1933. كان التعدين مرتبطًا كل الارتباط بالصراعات حول السلطة المُخَوَّلة لحاكم الإقليم – باشا مراكش والقايد التهامي الكلاوي. طالب بعض الأطراف في حكومة الحماية الفرنسية بتمكينه من الحُكم في حين انحاز آخرون إلى المصالح المالية الأوروبية التي استدعت النهوض بقطاع استخراجي يعتمد على القطاع الخاص بشكل كامل. انتصر الرأي الأخير وأصبح منجم كوبالت بوازار – الذي تأسس في 1928 عبر تحالف بين رأس المال الفرنسي والكلاوي – موقعًا وسط أرخبيل من المناجم المملوكة للشركة، التي سيصبح اسمها فيما بعد “مناجم”، القابضة العامة التي تسيطر عليها العائلة المالكة. تحوّلت هذه المناجم، في إميضر وبوازار وبليدة، إلى مواقع للاحتجاج والاحتشاد الاجتماعي في العقد التالي على عام 2010.

 تعقّب وفهم هذا التاريخ للاستخراجية هو عنصر مهمّ من عناصر مبادرة البحث العَمَلي التي بدأت في خريف 2021، لأنه يوضح الأيديولوجيات الحاكمة القائمة منذ زمن طويل، والمستمرة في إدارة العمل الاستخراجي وإدارة الموارد الطبيعية بشكل عام. كما يكشف هذا التقصّي عن علاقات الإكراه الغاشمة المستمرة في مصادرة هذه الموارد لفائدة المصالح الأجنبية أو النخبة المغربية. حتى المبادرات التي تبدو تقدمية، مثل تلك المرتبطة بالطاقة الشمسية، يجب أن تُفهم في سياق هذا التاريخ بما أنها تعتمد على نفس الأطر القانونية ونفس علاقات القوة. لم يسبق أن رأى سكان المنطقة القرارات والعقود والوثائق الأخرى التي تُضفي الطابع الرسمي على تغير ملكية الأراضي وتصدير الثروة من هذه المشروعات. تحيا هذه الوثائق في الأرشيفات الفرنسية وفي الأرشيف المغربي المُفتَتح حديثًا، بعيدًا عن الناس الذين تؤثر فيهم. إن دمقرطة المعرفة المتعلقة بالنمط الاستخراجي ومشاريعه تعني جلب هذه الوثائق إلى مُلاك الموارد الأصليين وتسليط الضوء على هذا التاريخ من أجل فهم المتغيرات المجتمعية المعاصرة المرتبطة بالمشروعات الاستثمارية الكبرى. وتنبع  الحاجة إلى الفهم التاريخي بغض النظر عن الموارد التي نبحث في تاريخها، سواء كانت الكوبالت أو الفضة أو المياه المستخدمة في إنتاج البطيخ تجاريًا في وادي درعة الجاف، أو الأراضي المستخدَمة لاستضافة البنية التحتية الخاصة بمشاريع الطاقة الشمسية. هذا التاريخ مهم أيضًا لفهم أوجه الاتصال بين ماضي التعدين وحاضر الطاقة المتجددة، وهو الأمر الذي يتناوله القسم التالي الذي يوثق مختلف الأطراف والمصالح المالية الضالعة في أعمال الاستخراج والطاقة المتجددة على حدٍ سواء.

أطراف ومصالح مالية متماثلة في النمط الاستخراجي التقليدي وفي قطاع الطاقة المتجدّدة

هناك قدر كبير من البحوث الأكاديمية والناشطية التي تعقبت كيف ترتبط الشركات والمؤسسات المالية الدولية ورأس المال العالمي بعضها ببعض عبر قطاعيْ الاستخراج والطاقة المتجددة.9 هذا رافد معرفي مهم وضروري لفهم كيف ولماذا يمكن لجهود الانتقال الطاقي أن ترسّخ – لا أن تتحدّى – علاقات الاعتمادية التي تضرب جذورها في العهد الاستعماري. إنّ أوجه الاتصال بين سلاسل إنتاج وتوريد سلع الوقود الأحفوري وتلك الخاصة بالطاقات المتجددة هي كثيرة ومذهلة. فالضغوط الجيوسياسية نحو الانتقال الطاقي في أوروبا – على سبيل المثال – لا تقتصر على الوفاء بأهداف تقليل الانبعاثات الكربونية، بل هي تخدم أيضًا مصالح مالية تُركّز على تنويع الباقات الاستثمارية واستخدام المتجدّدات كمصادر جديدة لتراكم رأس المال.10 حتى الزيادة الكبيرة في مشاريع الطاقة المتجددة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعكس أوجه اتصال تعتمد على العلاقات الجيوسياسية بين الحكومات الأوروبية والشركات ومنتجي الوقود الأحفوري في المنطقة. إنّ توفّر رأس المال والخبرات بمجال البُنية التحتية للطاقة والهدف الخاص بتنويع مصادر الربح، هي عوامل تعني أنّ الكثير من الجهات المنتجة للوقود الأحفوري هي في الوقت نفسه قائدة ورائدة بمجال الطاقة المتجددة. من أوضح التعبيرات عن هذا الموقف، مبادرة “ديزيرتك”، وهي مبادرة لربط جنوب حوض المتوسط بالكامل – بصحاريه – بالشبكة الكهربائية الأوروبية. ورغم أن المبادرة فشلت رسميًا، فإن منطقها الحاكم يوضح ويفسّر لنا سياسات الطاقة المتجددة المغربية وغيرها من المبادرات الإقليمية، مثل “الهيدروجين الأخضر”.11

كما أنّ تعقّب ورصد هذه العلاقات يُسَلِّط الضوء على القرارات التقنية والاقتصادية التي تُشَكِّل سياسات ومشروعات الطاقة المتجددة في المغرب وخارجه. فعلى سبيل المثال يُشادُ بمشروعات الطاقة المتجددة الكبيرة على مستوى انتفاع عموم السكان بصفتها من سبل تحقيق التوسّع الاقتصادي الكبير في هذا القطاع والاستفادة من البُنية التحتية القائمة من أجل توصيل الطاقة الشمسية بالشبكة العمومية للطاقة. كانت تلك هي مبرّرات خطة الطاقة الشمسية المغربية فيما يخص القرار التقني الخاص بالاستعانة بالطاقة الشمسية المُركّزة (CSP) – وهي تكنولوجيا طاقة جديدة نسبيًا لم تكن جدواها المالية قد اختُبرت بعد – لدى اختيارها في ورزازات.12 لكن اختيار الطاقة الشمسية المركّزة وترك تكنولوجيا ألواح الخلايا الضوئية والطاقة المتجددة اللامركزية، هو اختيار لمركزة القوة الاقتصادية والسياسية وتركيزها في يد القلّة، بقدر ما هو اختيار من أجل بناء مرافق طاقة كبيرة الحجم. فتوليد الطاقة الشمسية على مستوى المجتمع المحلي، أو على المستوى الصغير الذي يتجنبّ الربط بالشبكة، يعني تفويت الفرص على تراكم رأس المال، الذي نرى شواهده في نهج مشاريع الطاقة المتجددة الكبرى بالمغرب. هذا التراكم الرأسمالي يمكن أن يحدث بغض النظر عمّا إذا كانت المشاريع نفسها مربحة لدى تشغيلها – فالمشاريع القائمة غير مربحة، وما تزال الدولة المغربية تدعم الطاقة المنتَجة من هذه المشاريع الجديدة لكي تصبح هذه الكهرباء قادرة على منافسة الكهرباء المُوَلَّدة من الوقود الأحفوري.13 إنما المسألة مرتبطة أيضًا كل الارتباط بالعقود العديدة من أجل الإنشاءات ذات الصلة، وبدرجة أقل عقود التشغيل، للمنشآت التي تخلق فرصًا عديدة للربح (أو – لتحري الدقة – العوائد). هناك شركات كثيرة ربحت هذه العقود تُعَدًّ تابعة لشركات وقود أحفوري، أو على الأقل هي مُمَوَّلة من فائض رأسمال الخليج المنتج للنفط (لا سيما السعودية، موطن Acwa power التي ربحت عقد تركيبات NOORo في ورزازات). تمثل هذه الشركات محاولة للتنويع والإضافة إلى استثمارات الوقود الأحفوري، وهي قائمة على أرضية من العلاقات الجيوسياسية القوية مع الحكومة المغربية، مع العلم بأن هذه العلاقات القوية تنهض في أغلبها على النفط.

ومن المهم فهم كيف تنعكس هذه الحسابات الجيوسياسية على حياة الناس اليومية. توثيق هذه السلاسل السلعية يمكن أن يؤدي إلى دمقرطة المعرفة حول تحالفات الدول-الشركات من أجل تراكم رأس المال الاستخراجي. على أن التوثيق لا يكفي. إذ ثمة سؤال أهم، هو كيف نترجم هذه العلاقات المعقدة ونوضحها للسكان بحيث يمكنهم فهم الصلات بين واقعهم المحلي وتلك العمليات عالمية النطاق؟ على المستوى المحلي، قد لا تبدو “السلاسل السلعية” العالمية ذات صلة؛ إذ أنّ الدولة والقطاع الخاص يتعمّدان تغييم أدوارهما ويقومان بطمس خطوط السلطة الفاصلة بينهما. المخزن (المؤسسات الحكومية المرتبطة بالملك والمؤسسات الحكومية غير المنتخبة) والسلطة (لا سيما وزارة الداخلية والخدمات الأمنية) تكون في العادة هي السلطات التي تقف على خط المواجهة، المسؤولة عن التعبئة لصالح “مناجم” وتأمين الاستقرار لها، وهي الشركة التي تُعَدُّ رسميًا شركة قطاع خاص وأسهمها مطروحة في بورصة الدار البيضاء لكنّها، وكما أوضحنا أعلاه، بدأت كشركة الكلاوي، القائد الإقليمي من عهد “الحماية الفرنسية”، ومن ثَمَّة تحولت إلى يد الديوان الملكي. عندما يتحدث السكان عن المشاريع بصفتها قادمة من “قائدنا” إشارة إلى الملك بصفته أمير المؤمنين، فإنّ التفرقة بين المخزن والشركة التابعة للقطاع الخاص المملوكة للملك تصبح صعبة للغاية.

لكن ليس من المؤكد أنّ فضح هذه السلاسل السلعية العالمية هو الطريقة الأنجح لدعم جهود الانتقال العادل في مناطق الجنوب الشرقي الريفية بالمغرب. إذ أنّه بالنسبة إلى مناجم إميضر وبوازار ذات الملكية الخاصة، ومعها تركيبات الطاقة الشمسية “شبه” التابعة للدولة في ورزازات، دارت المطالبات الشعبية على مدار العقد الماضي حول التركيز على فرص العمل والاستثمارات الريفية والشفافية في كيفية استخدام الموارد (لا سيما المياه) بطريقة غير ضارة بالسكان المحليين. هذه الدعاوى كانت متشابهة عبر مختلف المواقع والموارد، إذ أنّ الدافع وراء الاعتصام، الذي دام ثماني سنوات قرب منجم فضة إميضر، كان استغلال المياه وعدم توفر فرص العمل بالمنجم، في حين أنّ بواعث قلق الناس حول تركيبات الطاقة الشمسية في ورزازات ترتبط بالمياه وقلة فرص العمل المقدمة للسكان المحليين.14 في حين يُقدر المسؤولون أنّ استهلاك المياه في ورزازات يتراوح بين 2.5 و3 مليون متر مكعّب كلّ عام، يبدو أن الاستهلاك الفعلي أكبر بكثير، أكثر حتى ممّا تُقرُّ به الجهات الرسمية. هذا نظرًا لمتطلبات المياه الكبيرة من أجل تنظيف عواكس الطاقة الشمسية في البيئة الصحراوية، وإمكانية حدوث أعطال ومشكلات في تكنولوجيا التوربينات البخارية المستخدَمة في منشآت الطاقة الشمسية المُركّزة في ورزازات. وأثناء البحوث الأولية حول ميدلت، وهو موقع التركيبات الشمسية التالي في خطة الطاقة الشمسية المغربية، علَّق المسؤولون الحكوميون المحليون وقالوا إن المنشأة قيد الإنشاء ستوظف تكنولوجيا جديدة أقل استهلاكًا للمياه، بهدف توليد 300 ميغاواط أكثر من إنتاجية منشأة ورزازات، مع استهلاك سُدس المياه مقارنة بورزازات. وكانت بعض المشكلات السياسية التي صادفها رئيس الوكالة المغربية للطاقة المستدامة خلال العام الماضي ترجع في تقدير البعض في الجنوب الشرقي إلى المشاكل الجيوسياسية المتصلة بعلاقات المملكة الضعيفة مع ألمانيا. وترجع أيضًا حسب التقديرات إلى بطء وتيرة العمل على المنشأة الشمسية، فضلًا عن ضعف الكفاءة الاقتصادية وكثافة استغلال الموارد في منشأة ورزازات.

إلّا أنّ التركيز على مشروع بعينه أو سلسلة سلعيّة بعينها يُمكن أن يغيّم صورة التشابهات القائمة بين قطاعيْ الطاقة المتجددة والاستخراجية التقليدية. بينما المقاربة المعتَمِدة على مكان محدد في تحليل كُنه الانتقال الطاقي العادل توسّع تحليلنا بحيث يركّز على تغطية نطاق عريض من الموارد والاستراتيجيات تم استخدامها لتأكيد السيطرة الضرورية لصالح مثل هذه المشاريع الكبيرة، بغض النظر عن طبيعة الشيء الذي يُستخرج. وفي المغرب، تتركّز هذه الاستراتيجيات حول السيطرة على الأراضي المملوكة جماعيًا، وربّما هذه هي القضية الأكثر سخونة في المناطق القروية/الريفية بالمغرب (وببعض المناطق الحضرية) على مدار العقديْن الماضيَيْن. هذا النهج الأعرض يوضح سياقات الموارد المستخرَجة باعتبارها تتبع نطاق سياسات الموارد الأخرى، لا سيما الأرض والمياه. وبالإضافة إلى شركات الاستخراج ومقاولو الطاقة المتجددة، تشمل الأطراف مستثمرو الصادرات الزراعية الذين يبحثون عن المياه دائمًا وعناصر التجمعات الإثنيّة أو الفئات الاجتماعية الأخرى المتواجدة ولها مظالم تاريخية. ليس هذا بالبحث المكتبي، فهو يتطلبُّ التزامًا أكبر  مع السكّان وإلمامًا بمختلف سبل إدارتهم للصلات مع أعوان الدولة والسلطات الأخرى. إن الدخول في تحالفات تقع بين البحث العلمي والناشطية مع مجموعات متنوعة في المناطق المحيطة بهذه المشاريع الكبرى يُعَدُّ من سُبُل بناء الفهم لهذه السياسة المحلية المعقدة. هذا النهج يتضارب مع الحديث حول كيف أن المشروعات تؤثّر على “المجتمع المحلي”، ويرفض فكرة أن هناك كيان تحليلي مُعتبر اسمه “مجتمع محلي” (كأن نقول “كيف يتأثر المجتمع المحلي بالمشروع كذا”)، بل هو يبحث بنشاط عن تقديم مختلف الرؤى والمواقف.

الصراع حول الأرض وسياسة الموارد في السياق القانوني والبيروقراطي

تصبح عملية فهم النمط الاستخراجي في مختلف مراحله، من التعدين التقليدي إلى مشاريع الطاقة المتجددة، مسألة أبسط وأوضح للسكان الريفيين/القرويين عندما ينتقل تركيزنا إلى القوانين والإجراءات البيروقراطية المستعملة في تنفيذ مشروع بعينه في منطقتهم. المؤكد أن تواريخ المشاريع الكبرى في جنوب شرق المغرب تتباين كثيرًا فيما بينها، فمن منجم الكوبالت في بوازار الذي افتُتح في 1928 قبل السيطرة العسكرية الفرنسية على المنطقة، إلى الخطاب المستقبلي المعولم للطاقة المتجددة الذي يؤطر خطة الطاقة الشمسية، تتباين الأمور كثيرًا. لكن التعدين والطاقة المتجددة يتركزان في نفس المناطق ويستعينان بنفس القوانين والعمليات البيروقراطية اللازمة لتأمين الموارد اللازمة للاستخراج. فيما وراء الموارد المحددة، مثل الأرض والمعادن، فإنّ هذه الموارد تشمل الاستثمار الحكومي في البنية التحتية، من طرق لازمة لنقل المواد والموارد المستخرجة على سبيل المثال، واستخدام الدولة لسلطتها في السيطرة على السكان المعارضين. إنّ تاريخ التعدين من الحقبة الاستعمارية إلى الحاضر يكشف عن استمرارية مدهشة بين الماضي والحاضر فيما يخصّ سبل استخراج الثروة من أفقر مناطق الدولة، بأقلّ حدٍ ممكن من إعادة الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية.

إن البحث التاريخي الخاص بالمغرب المعاصر ينتقد التقسيم الاستعماري للدولة إلى مركز “نافع” يتلقى الموارد و”التنمية” وهامش “غير نافع” تم إهماله. هذه المصطلحات تمثل وصفًا صريحًا ومباشرًا للرأسمالية الاستخراجية القائمة في كافة السياقات الاستعمارية. لكن هذه التقسيمة الثنائية النظيفة والواضحة لا تصف بالكامل كيف قامت الدول الاستعمارية والمستقلة بالاستثمار في الهامش القروي المغربي. فالبُنية التحتية وغيرها من الاستثمارات الاقتصادية في الهامش القروي استغلت الموارد واليد العاملة لصالح سكان مناطق أخرى. كان الجنوب الشرقي المغربي – وما يزال – “مفيدًا”، لكنّ السؤال هو: مفيد في ماذا ولصالح من؟ فهم هذا التاريخ الخاص بالاستخراجية بالتقاطع مع إدارة الأرض والسياسات الزراعية وسلطة الدولة في الجنوب الشرقي يُظهر استخدام استراتيجيات مماثلة لتأمين قدرة الدولة أو الشركات على الوصول إلى كافة أنواع الموارد.

من المُهمّ  التعرّف على أوجه الاستمرارية بين الماضي والحاضر فيما يخص القواعد والإجراءات الحاكمة للتعدين ومشروعات الطاقة الشمسية على حدٍّ سواء،  لأنّه يسهّل توثيق مجمل الآليات المستخدَمة في استخلاص الموارد. بعض هذه الآليات مختفية وراء لغة وصياغات معقدة في الأنظمة والإجراءات الإدارية، بعيدًا عن أعين السكّان المحليين. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يساعد  توثيق الأُطُر البيروقراطية  في التعرف على فرص لتقديم مطالبات توسع من مجال الأدوات السياسية المتاحة في يد السكان الذين يعيشون في ظل الاستخراجية. لقد تأثر الإطار القانوني والبيروقراطي الحالي للتعدين في المغرب بالتوسّع العالمي في استخراج المعادن، لا سيما جهود تطبيق تكنولوجيات جديدة لجعل العمليات الأقدم مجدية مرّة أخرى، مع السعي الحثيث لتأمين الموارد المتاحة من المعادن النادرة الضرورية جدًا  لقطاع التكنولوجيا والطاقة المتجددة.15 هذه السبل الجديدة للاستخراجية بارزة في قانون التعدين المغربي الجديد لعام 2015. إذ يركّز على تقديم إطار قانوني تفصيلي للتشجيع على المزيد من الاستثمار في استخراج المعادن – بما يتجاوز قطاع الفوسفاط المهيمن – على افتراض أن البيئة التنظيمية القائمة كانت تُثقل كاهل تنمية القطاع الاستخراجي بشكل كامل.16 الاستخراجية التقليدية إذن ليست قطاعًا “قديمًا”، أو سابقة قديمة على الطاقة المتجددة سوف تخبو مع الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، إنما على النقيض من ذلك: يصبح النمط الاستخراجي أكثر أهمية في دعم الاحتياج المتزايد إلى المعادن الضرورية لإنتاج الطاقة المتجددة. كما أنّ التعقيدات الكبيرة المرتبطة بخطة الطاقة الشمسية تتطلبُّ توفّر مواد بناء ومُدخلات كثيفة البصمة الكربونية، مثل التوسع في نُظُم الطرق الممهّدة والبنية التحتية الخاصة بالضغط العالي (للكهرباء).

تسير جهود تنمية قطاع التعدين وقطاع الطاقة المتجددة في المغرب  بالتوازي مع استراتيجية التنمية الزراعية للمملكة على مدار العقد المقبل (خطة المغرب الأخضر). وتمثّلت الفلسفة الحاكمة لتلك الخطة في إدراة كل منطقة زراعة بيئية في الدولة بشكل يسمح بتوفير سبل جديدة لتعزيز الصادرات الزراعية لفائدة المصالح التجارية الكبرى، على حساب صغار المزارعين17. وفي الجنوب الشرقي، أدّت خطة المغرب الأخضر إلى الدفع بنمو مزارع تجارية كبرى تنتج التمر والتفاح والبطيخ التي تتنافس، إلى جانب مشاريع التعدين والطاقة المتجددة، على موارد المياه والأرض. أضرّت هذه المنافسة بالسكان ذوي القدرة المحدودة على الدفاع عن حقهم في الأرض أو الحصول على فرص كسب الدخل. إذن على الباحثين، الذين يوثقون التدابير القانونية والبيروقراطية الكامنة وراء السياسات الاستخراجية، أن ينظروا فيما وراء موجة التشريعات الجديدة ومرافق تيسير الاستثمار في القطاعات الجديدة مثل الطاقة الشمسية أو المعادن الأرضية النادرة. كما أنّ عليهم إدخال السياسات الزراعية قديمة وجديدة في المعادلة، فضلًا عن الأطر القانونية القديمة والملتبسة التي تحكم الأرض والماء. في هذا الصدد، يتبيّن أنّ السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة لسلطات الدولة بموجب السياسات الاستعمارية، والتي كانت مُصَمَّمَة لتيسير استخلاص الثروة، تُعَدُّ ذات فوائد كبيرة في وقتنا الحالي للأطراف النافذة. تستعين سلطات الدولة بهذه السلطة التقديرية في تأمين الأرض والموارد الأخرى بسرعة وبهدوء.18

من ثُمَّ، ورغم الطبيعة المميزة لكل شكل من أشكال النمط الاستخراجي، فإنّ الأطر البيروقراطية المشتركة الحاكمة للأرض والمياه واستخراج الموارد الطبيعية، تسحب جميع هذه الموارد إلى نفس البوتقة السياسية. لكن مثلما تمّ استخدام الأطر القانونية للأرض والمياه في استلاب السكان المحليين، يتساءل النشطاء أيضًا إذا كانت ثمة مداخل متاحة للمواطنين نحو تحدي كيفية تنفيذ المشاريع الاستخراجية على الأرض. يتطلب هذا عملية تنظيم ممتدَّة، ودمقرطة المعرفة المتاحة حول كيفية استخدام القوانين في المعارضة والوقوف في وجه المشاريع المذكورة. من الصعب مناوَأَة حقوق استخدام الموارد في باطن الأرض التي تحصل عليها الدولة أو الشركات، فكما هو الحال في أغلب دول العالم (تمثّل الولايات المتحدة استثناء، إذ توجد بعض التعقيدات المتصلة بحقوق الشعوب الأصلية) تدّعي الدولة المغربية السيادة والملكية لموارد باطن الأرض. في حين ادعت الدولة الاستعمارية الفرنسية بدورها السيادة على المياه في المغرب، فإن حقوق المياه حاليًا معقدة وخاضعة لطبقات من القوانين الوضعية والإسلامية، شكليًا، والعُرفية. ولئن كان الحراك الاجتماعي من قبيل احتلال منجم فضة إميضر بسبب استنفاد وتلوث المياه، فإنّ الادعاءات السيادية على الموارد الطبيعية والثروة المستخرَجة من الأرض لم تظهر بقوة في الحركات الاجتماعية الاحتجاجية في المغرب.

كذلك كانت الأراضي ذات الملكية الجماعية نقطة خلاف ومنازَعة فيما يخص المشاريع الاستخراجية. فتركيبات الطاقة الشمسية في ورزازات – على سبيل المثال – استخدمت قوانين استعمارية في الحصول على الأراضي الجماعية، لكي يحصل المشروع على مساحة 3000 هكتار من الأرض.19 هذا هو الإطار القانوني الذي تم استخدامه لحكم وإدارة نقل الملكية  فيما يخص جميع الأراضي المملوكة لجماعات في المغرب. لكن، في نفس سياق  “خطّة المغرب الأخضر” وقانون التعدين لعام 2015، صدر قانون للأرض ذات الملكية الجماعية في 2019 لتيسير الاستثمارات وخصخصة الأراضي التي تُعتبر غير منتَفع بها بشكل كبير، لأغراض التنمية الوطنية.20 ولقد انعقدت مناقشات على مدار عقود حول المشكلات المزمنة المرتبطة بالأراضي الجماعية في المغرب. من الصعب تعريف من لهم الحق في تلك الأرض، إلّا أنّ  أنصار الخصخصة يقولون أنّ الملكية الجماعية تُنفّر الاستثمار. ولقد تم التذرع بهذه المسائل في إصدار قانون 2019، الذي يُزعم أنه يُرَشّد إدارة الأراضي الجماعية. على أن البحوث الأولية تكشف عن خوفٍ مستشرٍ من أنّ القانون الجديد لن يؤدي إلا إلى تسريع عجلة انتقال ملكية الأراضي إلى المشاريع الاستثمارية الكبرى مع فرض منطق السوق على الأرض التي لم تكن يومًا للبيع.

إن توثيق القوانين والتدابير الإدارية الحاكمة لمشروع بعينه هي عملية تتطلب الغوص بعمق في مجالات قانونية مختلفة، بعضها مرتبط مباشرة بالموارد المستخرجة من الأرض وبعضها الآخر يتعلق بموارد أخرى متعددةوهياكل الإدارة المحلية والضرائب والميزانية. تُعَدًّ هذه المجالات  جافة وصعبة حتى على الباحثين والنشطاء المخضرمين، إذا لم يتسلّحوا بالخبرات القانونية والمالية. إنها مجالات لا تثير اهتمام الكثيرين كما يفعل الحراك الاجتماعي. قد يبدو هذا نشاطًا غير مُجدٍ، أن تتم إتاحة مواد توعوية وتثقيفية للناس حول قضايا قانونية معقدة. لكن تشير خبرات الناشطية حول المشاريع الاستخراجية في أمريكا اللاتينية ومناطق أخرى إلى أنّ هذه الآليات القانونية والبيروقراطية قد تتيح فرصًا للمقاومة الشعبية أو المشاركة المدنية في قرارات المشاريع.21 إن زيادة إقبال المجتمع المدني في المغرب على الاهتمام بقضايا اللامركزية والشفافية وسيادة القانون – لا سيما مجموعة من “المراصد” بالمناطق الريفية والعواصم الجهوية الأصغر – يُظهر فرصًا مهمة مماثلة. دمقرطة المعرفة حول الأطر القانونية والبيروقراطية هو أمر مهم لذاته، لكنه قد يُمثّل أيضًا أداة لعمل المطالبات الخاصة بالتعويض أو المحاسبة، حتى لو كانت هذه الفرص ضئيلة وحتى إذا كان التغيير سيتحقق على فترات طويلة.

لماذا تُعَدًّ الضرائب هامّة؟ أو: نحو الجبر والتعويض

ينطبق نفس هذا التحليل  على توثيق الإجراءات والممارسات المتعلّقة  بخصخصة أرباح الأنشطة الاستخراجية ومشاريع الطاقة المتجددة. تركّزت النقاشات العامة حول تكاليف وفوائد مشروع الطاقة الشمسية في ورزازات والمناجم بالجنوب الشرقي  على كيف أثّرت أعمال المشاريع على السكان من ثلاثة أوجه مهمة: التأثير البيئي، فرص العمل، الآثار المباشرة الأخرى الخاضعة لسيطرة الشركة أو المقاول. ولقد نزع هذا التركيز الثلاثي إلى الحد من المناقشات حول تكاليف وأرباح العمليات المباشرة الخاصة بالمشاريع وبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات في كل من المواقع، وهي أمور متشابهة عبر قطاعي التعدين والطاقة المتجددة. في حالة NOORo، ردّت  الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازن)  في البداية على الاضطرابات بتدابير مرتجلة، قبل أن تنتقل إلى برنامج رسمي لتنمية المجتمع أدارته “أغري-سود” وهي منظمة مجتمع مدني فرنسية مسؤولة عن تنسيق مبادرات التنمية الزراعية في المجتمع المحيط بالمنشأة. لكن مع مرور الزمن، مع تغير تسمية مازن من الوكالة المغربية للطاقة الشمسية إلى الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (حدث التغيير في 2016 وصاحبه انتقال تركيز الوكالة إلى التمويل والتغيير التكنولوجي)، أبعَدت ’مازن‘ تدريجيًا نفسها عن المشاركة المباشرة في برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات. في ورزازات، تقوم “أكوا باور”، وهي مقاول سعودي رئيسي، بإدارة العلاقات بالمجتمع ومبادرات المسؤولية الاجتماعية. والخلاف السياسي المحيط بمازن في 2021 – ويرتبط بالتقدم البطيء في تنفيذ خطة الطاقة الشمسية ومشكلات تمويل مرتبطة بجائحة كوفيد-19 وبعض المشكلات الخاصة بكفاءة التشغيل والعمليات – أدى بدوره إلى إضعاف ظهور وبروز المسؤولية الاجتماعية في إطار خطة الطاقة الشمسية. وبالنسبة إلى ’مناجم‘، فإن الاضطرابات المحيطة بالمناجم في بوازارر وإميضر – وكما يُظهر البحث الأوّلي، في مناجم أخرى ضمن ممتلكات الشركة – قد ظهرت في نفس توقيت المشكلات المحيطة بالطاقة الشمسية في ورزازات تقريبًا. وكان برنامج مسؤولية اجتماعي ثنائي المسارات واحدًا من عدّة ردود فعل من الشركة ووزارة الداخلية المسؤولة عن تأمين الموقع لصالح ضمان النظام الاجتماعي. البرنامج الأول هو “d’urgence” (2012-2013) وكان يهدف إلى تقليل التوترات مع السكان في إميضر، وإن ظهرت فيه أيضًا جهود الشركة لتشتيت الانتباه باعتصام واحتلال جبل ألبان. أما العنصر الثاني، وهو “خطة استراتيجية” واسعة (2013-2016)، فقد اشتمل على جميع مناجم ’مناجم‘ في جنوب شرق المغرب، ويشتمل على تقييم احتياجات لكل من المجتمعات السكانية المجاورة للمناجم. أسفرت هذه العملية عن قائمة مشروعات تَعَيَّن على حكومات المجتمعات المحلية أن تجد لها تمويلات مقابلة، عادة من الوزارات المتصلة بالمشروع المخطط له (وبشكل خاص التعليم والصحة العامة). كشفت النقاشات مع المشاركين في لجنة التنسيق والحكومات المحلية عن تباين في مستوى الخبرات، وإحساس بأنهم تعلموا الكثير من عملية التواصل مع الشركة والسلطات الحكومية.

على أن جميع هذه المبادرات كانت محدودة النطاق وتطوعية الأساس، مثل برامج المسؤولية الاجتماعية. ولم تشمل أي حوار مهيكل أو ممنهج حول كيفية ربط الاستخراج بالتنمية الريفية طويلة الأجل أو العلاقات بين السكان والدولة والقطاع الخاص. وقد تُمثل العمليات اليومية للحكومة المحلية ونظم الربح/العائد موقعًا أفضل لتقديم مطالبات بإعادة الثروة للناس واستدامة الاستثمار وإشراك السكان في تخصيص الموارد.  الفجوة هامّة هنا بين السياسات والتطبيق، وكذلك تغير المشهد نحو إصلاحات اللامركزية التي طرأت على نظام المغرب المركزي تاريخيًا. في المراحل الأولى من “مشروع الجهوية المتقدمة” العملية التي بدأها الملك محمد السادس لدى توليه السلطة في عام 1999، ذهبت عوائد الضرائب المدفوعة في قطاع الاستخراج بالكامل إلى الحكومات الجهوية، لا إلى الجماعات أو الأقاليم. ونقل قانون التعدين لعام 2015 هذا التخصيص، وفي الوقت الحالي تذهب 50 بالمئة من عوائد الضرائب الواردة من إنتاج التعدين إلى الجهات و50 بالمئة إلى الجماعات. المعلومات المتوفرة حول هذا التغيير غير كاملة، إذ أن هناك ارتباك سائد بين السكان وبعض مسؤولي الجماعات حول أيٌّ من فصول قانون التعدين الجديد هي المُفعّلة، ومتى بدأ تفعيلها. لكن نظام التخصيص الجديد هذا يثير أسئلة ويتيح فرصًا جديدة لتقييم كيف ترتبط مختلف المشاريع بخطط التنمية الاقتصادية المحلية، وتقديم الخدمات، والنقاشات الأعرض حول كمّ الثروة المستخرجة من بعض أفقر الجماعات في الدولة.

وفي عدة مناطق مشابهة، كما في مناجم فحم الأبلاش في الولايات المتحدة، أدّت نُظم ضرائب الأرباح والممتلكات المخفضة الممنوحة لشركات التعدين في أحد القطاعات إلى مسار تبعية، حيث تَتَبّع أشكال الاستخراج الجديدة مسار عمل الأشكال السابقة عليها لأنها قادرة على الاستفادة من نُظُم عوائد وربح مُصَمَّمة لموارد أخرى.22 النتيجة طويلة الأجل هي تَوَفًّر  استثمار أقلّ في البنية التحتية أو تنويع الأنشطة الاقتصادية بسبب القواعد الضريبية المتناقصة أو عدم توفر القدرة أو الإرادة لدى المسؤولين المحليين، بل وحتى لدى بعض النشطاء، فيما يخصّ المطالبة بإجراءات إعادة توزيع لضخ الموارد الخاضعة للمحاسبة والشفافية إلى مناطق الاستخراج. قد يبدو من غير المتخيل المطالبة بتعويضات وجبر على عقود بل وقرون من الاستخراج والاستلاب لصالح الغير.

المشروع البحثي الذي يتناول كيف يحدث هذا في السياق المغربي بدأ للتوّ، لكنّ توثيق نظم العوائد لصالح السكان فيما يخص المشروعات خطوة مهمة نحو دمقرطة المعرفة حول العلاقة بين الثروة المستخرَجة وما يذهب إلى الناس في هيئة عوائد أو استثمارات حكومية على المستوى المحلي. في البداية، تَمَثَّل هذا البحث في صيغة عمل وصفي بحت في المغرب، من توثيق لمستويات الإنتاج على مرّ الوقت والضرائب المدفوعة والأرباح المخصصة للجماعات التي بها المشروعات، لكن هناك أدبيات أكاديمية متزايدة حول آثار اعتمادية الموارد على النمو الاقتصادي والشفافية الحكومية وتدابير أخرى للرفاه، تؤشر بتوفر مسارات جديدة لتوثيق كيف يؤثر النمط الاستخراجي على السكان والاقتصادات السياسية الجهوية..23 إنّ الوصف الإمبريقي لآثار الثروة والتأثير الاقتصادي للاستخراج لا يقدم في حد ذاته رواية ممنهجة حول الاستلاب التاريخي المرتبط بالاستخراجية، لكن يمكن أن يتيح أداة إضافية لتنظيم الحراك والمطالبة بالحقوق. يساعد هذا البحث التطبيقي  في بناء استراتيجيات نشطاء المجتمع المدني الخاصة بالمشاركة في السياسات المحلية ومعارضتها، لمحاسبة الدولة على وعودها فيما يخص سيادة القانون ونقل مسؤولية التوزيع المالي إلى الجماعات المحلية. وفي حين أنه لا يمكن استخدام أدوات موحدة في تفكيك السردية وفهم الواقع في هذا الصدد، فإنّ فهم واستخدام هذه الأطر الإدارية يمكن أن يوسع من مساحة المشاركة الشعبية وتقديم المطالب فيما يتعلق بمشروعات الاستخراج والطاقة.

قد يكون إشراك الخبراء الماليين والقانونيين ضروري لكي يفهم النشطاء والباحثين هذه التنظيمات، لكن استراتيجيات التثقيف الشعبي ضرورية لترجمتها إلى تفاصيل مفهومة لدى القطاع الأعرض من الناس. إضافة إلى توثيق التدابير الرسمية لتخصيص الأرباح والعوائد، فالأمر يشمل الفهم والمحاسبة على النفقات المباشرة والعينية المرتبطة بالاستخراج أو مشاريع الاستثمار التي تتولى أمرها الحكومات المحلية، والثروة المُوَلَّدة والمُصدَّرة والثروة العائدة على هيئة أرباح ضريبية وفرص عمل وغير ذلك من الآثار التراكمية غير المباشرة (إيجابية أو سلبية). يمثل هذا نشاط سياسي للغاية يشتمل على تحديد كيف يمكن فهم العوامل الخارجية أو خدمات النظام البيئي، بمعنى محاولة عمل تقدير كمّي لقيم تُعَدُّ غير قابلة للتحليل الكمّي في نظر الكثيرين، بما يشمل الرعاة التاريخيين لهذه الموارد. كما أن التنويعات على هذا النوع من تحليل التكلفة والفوائد، في أماكن أخرى وفيما يخص موارد أخرى، يكشف عن أنّ التحليل قد يبدو مختلفًا تمامًا لدى اجرائه على المستوى الوطني أو المحلي أو الجهوي، والمستويات الأخيرة هي التي تقع في القلب من النهج الذي ندعو إليه هنا.24 إنّ المناجم، التي قد تمثّل جزءًا صغيرًا نسبيًا من اقتصاد الدولة، قد تكون لها آثار تحويلية كبيرة على السياقات الاجتماعية-البيئية الجهوية أو المحلية وعلاقات القوة ذات الصلة. وعادة ما يتمّ تجاهل مراعاة هذا التأثير التحويلي (أي القادر على إحداث تحولات كبيرة)  لكونهه محلي أو ضيق النطاق، أو كأنه مجرد مطلب من مطالب السكان المحليين غير المعقولة وغير القائمة عن علم وبيّنة، وهُم السكان الذين يُنظر إليهم انطلاقًا من فكرة أنه من الضروري ان يتحملوا الكلفة الحتمية للانتقال الحتمي. ولا يعتمد الانتقال العادل ببساطة على الإقرار بوجود هذه المطالب أو تحسين توزيع مزايا وفوائد الطاقة المتجددة، إنما يشمل أيضًا توفير الجبر والتعويض على موجات الاستلاب والحرمان من الاستثمارات السابقة. كما يعتمد الانتقال العادل على إعادة التفكير في لماذا وكيف يُطلب من هذه المناطق مرة أخرى أن تتحمّل مرّة أخرى عبء إمداد المستهلكين الأثرياء بالخدمات في أماكن أخرى.

الحراك الاجتماعي والمطالب السياسية المشترَكة عبر الاستخراج والطاقة المتجددة

بالنسبة للمطالبين والمدافعين عن الانتقال العادل، قد يكون أحد المؤشرات الأولى على أن الطاقة المتجددة ربما تُكرّر أوجه لامساواة الماضي الخاصة بالتعدين، هو التشابهات في أنماط الحراك الاجتماعي عبر القطاعيْن. في الجنوب الشرقي المغربي، عبّر كُلٌ من المشاركين والمسؤولين  صراحة عن هذه المقارنات في الاحتجاجات المحيطة بأعمال NOORo والمناجم بالمنطقة. يجب أن يتجاوز التحليل الشامل لهذه التشابهات مجرد ملاحظة أنّ سكان الريف كانوا يعانون دائمًا من التهميش وسوف يستمر استلابهم من قبل النُهُج المهيمنة لقطاع الطاقة المتجددة. هذه ملاحظة مهمة، لكنها لا تجيب على سؤال لماذا تتكرّر تواريخ الاستلاب نفسها. فلا هي تسمح بالتعبير عن قدرة وإرادة سكان الريف ولا هي توضح مدى التباس وتداخل علاقتهم بالنمط الاستخراجي أو إنتاج الطاقة.

هناك عدّة سبل يمكن من خلالها لنوعيْ الاستخراج (الطاقة المتجددة والتعدين) أن يعمّقا اللامساواة. يركّز مشروع البحث العَملي في جنوب شرق المغرب الذي بدأ في خريف 2021  على: 1) عملية تطبيع وترسيخ اعتمادية الاقتصاد السياسي الجهوي على تصدير الثروة في ظل حد أدنى من إعادة الاستثمار لصالح الناس. و 2) الخطابات المهيمنة التي تحاجج بضرورة أن “يضحي” السكان المهمَّشون بمواردهم أو بسلامتهم لصالح التنمية الوطنية أو الانتقال نحو الطاقة النظيفة. وفي الوقت نفسه، فإن التحليل الذي ينبع  أساسًا من الواقع، لا يفترض أنّ الاستخراج هو المحرك الوحيد – أو حتى الأهم – للسياسة المحلية والجهوية. فنوعي المشروعات مرتبطان بفسيفساء معقدة من المطالب السياسية التي تتجاوز التعدين أو الطاقة. السياسة الريفية، مثل السياسة في أي مكان، متعددة الجوانب والأبعاد، ويُموْضع الناس هذه المشاريع في نطاق مطامح وأولويات مختلفة ومتنافسة في أحيان كثيرة. توثيق هذه المطالب المتنوعة يوضح كيف ولماذا يحتشد سكان المناطق الريفية بالشكل الذي يفعلونه، ولماذا يتعاملون مع أشكال التعبير السياسي الأخرى إلى جانب الاحتشاد والاحتجاج.

إن فهم وجود سياق أعرض لسياسة النمط الاستخراجي يعني فهم السطوة الشديدة أحيانًا للدولة والشركات لكنه لا يعني افتراض وجود نتائج حتمية للنمط الاستخراجي. لا يقتصر الأمر على ممارسة السكان لإرادتهم وقدرتهم على المقاومة والرد، بل إنهم أيضًا يتفاوضون ويستغلون وجود المشاريع الكبيرة في صياغة مشاريعهم السياسية الخاصة بهم أيضًا. هذه المقاربة تقرّ أيضًا بإمكانية وجود الاختلافات الداخلية فيما بين الدولة والشركات، وتتعامل بجدية مع العوالم “الأخلاقية” للأطراف.25 إن قلة من الناس الذين يعيشون في وحول مناطق الاستخراج في المغرب يصفون أطرافًا ومؤسسات “طيبة” أو “شريرة” في نطاق عمليات الاستخراج، ما يعكس التعقد والتنوع في هذه المشاريع. تؤدّي هذه التعقيدات  إلى “إرادات وقدرات متعددة ومتنوعة” في أوساط السكان والعمال الذين قد لا تمتزج انتقاداتهم للمشاريع أو أهدافهم حولها بسهولة، إن امتزجت من الأساس، مع تأطير الحركات الاجتماعية.26

إنّ ردّ الفعل الشعبي على النمط الاستخراجي متعدد ومتنوع بدوره، من حركات المقاومة المنظمة إلى التشظي الاجتماعي الذي يؤدي إلى النزاعات العنيفة.[27] وفي جنوب شرق المغرب، أثارت احتجاجات احتلال منجم إميضر خيال الكثير من المغاربة والمراقبين الدوليين، بالنظر إلى ذلك المزيج المتقن والمستند إلى ثقافة المكان في الوقت نفسه، من توظيف المخيال الشعبي والخطابات المعولمة في الوقت نفسه، في عملية المقاومة. وكانت احتجاجات منجم كوبالت بوازار وتلك الخاصة بمنشأة NOORo بدورها ملهمة لنشطاء الحركات الاجتماعية والمراقبين. لكن ليست هذه إلا بعض الأعمال وردود الفعل، وهناك غيرها كان أقل بروزًا وظهورًا لأعين من لا يفهمون جيدًا ممارسات السياسة الريفية في جنوب شرق المغرب.

إن غرس النمط الاستخراجي وأعماله في سياق المطالب الأعرض المحيطة بالأرض والسيطرة على الموارد والتمثيل السياسي للناس، يجلب لأنظارنا عدة أشكال من الممارسات السياسية، لا سيما في المناطق التي لا تعد الحركات الاجتماعية أو المقاومة الصريحة بارزة وظاهرة فيها.28 حتى الإخفاقات – في مشاريع الاستخراج أو الحراك الاجتماعي – يمكن أن “تنتج سياسة”، إذ تمكّن السكان من بناء تحالفات أو خبرات أو تغذية خبراتهم في مشاريعهم السياسية المتنوعة.29 على سبيل المثال، في حين تمّ تفكيك اعتصام إميضر  في 2020، فإن الجهود القائمة منذ عشر سنوات تقريبًا على صلة بالمنجم لا يمكن اعتبارها إخفاقًا. كان هذا واحدًا من عدة أشكال للتعبير السياسي غيّرت من السياسية المحلية والجماعية حول المنجم، كما يظهُر من تغيّر الكوادر نحو بروز مسؤولين منتَخَبين أصغر سنًا خلال انتخابات الجماعات في الدورتين الأخيرتين. قد يعمل السكان أيضًا على التغيير عبر نطاقات زمنية وأهداف تختلف عن تلك الخاصة بحركة العدالة المناخية. مثلما يمكن للاستخراج أن يؤدي إلى “عنف بطيء”، فإن الحراك البيئي للفقراء، وغير ذلك من التدخلات السياسية في جعبتهم، يمكن أن يَحدث على امتداد فترات زمنية مطولة.30

كما أن هذا النهج يتفادى الحكم المسبق على كيف يجب أن يتعامل السكان مع النمط الاستخراجي. ربما يختارون عمل توازن بين الانتقاد والرغبة في التنمية وفرص العمل التي قد يجلبها مشروع طويل الأجل والرابطة العاطفية عند الناس بالتعدين وارتباطه بالهوية.31 يشير البحث الأوّلي حول النزاعات على الموارد في المناطق الريفية بالمغرب إلى أنّ التعدين والطاقة المتجددة يعمّقان من اللامساواة، لكن يمكن للناس  استخدام هذه الخلافات في تصور وتجربة أشكال جديدة من السياسة أو الحكم المحلي في المناطق الريفية. هذا الخيال الجديد يمكن اعتباره “سياسة شعبية مستجدة/طارئة”، تشمل أشكالًا “لا حراكية” من القدرة السياسية للناس.32 أي أنّ على المدافعين عن الانتقال العادل أن يستمعوا إلى الناس ويفهموا تعدد أهدافهم ويُقرّوا بأشكال العمل المفضلة لديهم، بدلًا من إملاء أطر تحليلية مسبقة عليهم تُحبّذ نُهُج الحركات الاجتماعية المنظمة.

حتى المقاومة قد لا تكون متفقة مع الخطابات البيئية السائدة، إذ أنّ بعض الجماعات تعتمد على ممارسات عرفية/تقليدية أو غير سياسية في الظاهر، في التعبير عن مطالبهم السياسية.33 هذا الاحتشاد الاجتماعي “اللا-حراكي” قد يمثل مجموعة نُهج قريبة من الناس، مفيدة في التعامل مع النمط الاستخراجي وتقرّ في الوقت نفسه بعلاقات الناس المعقدة بالمشاريع الكبيرة، فهناك قلة ترفضها من الأساس، مع انتشار الرغبة في إعادة تخيل ما تفعله هذه المشاريع، وكيف تعمل، ولمن تقدّم فوائدها. يشير تاريخ فريق المشروع في البحث والناشطية بالجنوب الشرقي إلى أنّ خطابات العدالة البيئية لا تستهوي الكثير من سكان المنطقة. وتكمن قوة التحليل الذي يجريه الفريق في تعاطيه مع أشكال القدرة السياسية المتعددة، التي تُعَدُّ مفيدة في جعل “الانتقال العادل” عملية أقل تجريدًا في نظر الناس، بحيث يصبح ملموسًا أكثر، وله “مكان” واضح وراسخ، دون الحاجة لأن يحاكي أو يشابه حركات العدالة البيئية الأخرى لكي يروج لانتقال عادل. وفي الوقت نفسه، فإن هذا الإطار ليس بديلًا عن الحركات الاجتماعية الرسمية أو هو يرفضها. إنما هو يمثل الإقرار بضرورة التعاطي مع الممارسات السياسية المتنوعة والمختلفة التي تسعى لتحقيق الغاية نفسها.

خاتمة

نظرًا للقوة الغالبة للدولة والشركات والمؤسسات المالية الدولية، فإن فكرة العمل على الإجراءات والقوانين على المستويات المحلية أو الجهوية للتأثير على نتاجات مشاريع الاستخراج قد تبدو مسألة ساذجة. هذا النهج في حد ذاته لن يؤدي إلى انتقال طاقي أو اقتصادي عادل للمغاربة – أو للناس في أي مكان – الذين يعانون من الاستلاب عبر موجات متعاقبة وشديدة من سياسات الاستخراج. إلا أن هذا النهج يمثل خطوة مهمة للانخراط مع السكان الذين يعيشون الواقع المعقد للاستخراج، سواء كمصدر للاستلاب أو كمصدر للتنمية. إن دمقرطة المعرفة حول الاستخراج كنمط للإدارة والحكم يشمل كُلًا من المناجم ومشاريع الطاقة المتجددة هو أحد السبل المطروحة لفهم الناس الذين يعيشون النمط الاستخراجي، بصفتهم شركاء متساوين في الحركات الاجتماعية، سواء تبنًّوا أو لم يتبنّوا أطر المقاومة أو العدالة المناخية. وبالنسبة إلى الباحثين والنشطاء على حدّسواء، فإنّ الإقرار بمختلف أشكال الممارسة السياسية يعني الالتزام بالاشتباك الناقد مع الأطر الخطابية التي يعتمدها وينتهجها الناس أنفسهم. إن فهم التاريخ والديناميات الاجتماعية للمكان، بما يتجاوز عمليات الاستخراج، يعني خلخلة مركزية الاستخراج بصفته القوة السياسية الوحيدة التي تُشكّل حياة الناس. تتشكل قدرتهم على الفعل بالتوازي مع علاقات القوة المختلة التي تُميّز الشركات ومؤسسات الدولة وتعطيها اليد العليا في هذه التفاعلات.

إلا أنّ تطوير استراتيجيات الانتقال العادل المستندة إلى والمراعية “للمكان” ليست عملية مقتصرة على الانخراط المتصل والموسع مع السكان المحليين وبطريقة تفكيرهم وإدارتهم للأمور. إذ أنّ مثل هذا النهج يتيح أيضًا أرضية للتضامن مع الحركات والاستراتيجيات الأخرى بأماكن أخرى، حيث يمْكن استخدام نماذج الاشتباك الناجحة وتكييفها للسياقات الجديدة وجعل بعضها يعضد بعضها الآخر. على ضوء المذكور، فإن النقد المتواصل والاستراتيجيات التراكمية والرؤى طويلة الأجل للنشطاء والسكان في جنوب شرق المغرب تُعتَبَر مكونات ضرورية كل الضرورة في سياق جهود الانتقال العادل في المغرب وشمال أفريقيا، لا تقل أهمية عن أية مكونات أخرى في حركة العدالة المناخية.

نبذة عن الكاتب/ة

كارين ريغنال هي باحثة أنثروبولوجيا ثقافية وأستاذة مساعدة في جامعة كنتاكي بالولايات المتحدة. يركز بحثها على سياسة الأراضي والريفية وإدارة الموارد الطبيعية في واحات المغرب بمنطقة شمال الصحراء ومناطق الأبلاش بالولايات المتحدة. نفّذت الباحثة بحوثًا ميدانية إثنوغرافية وتعاونات مع باحثين من عدة حقول معرفية، وتركز حاليًا على دعم الشبكات الشعبية في المجتمعات الريفية، مع العمل نحو الانتقال الطاقي والاقتصادي.

تشكّرات

.تم نشر هذه المقالات بدعم من مؤسسة فريدريش إيبرت

لا تتحمل مؤسسة فريدريش إيبرت مسؤولية المحتوى، حيث يكون ذلك المسؤولية الكاملة المؤلفين.

Rignall, K. (2016) ‘Solar power, state power, and the politics of energy transition in pre-Saharan Morocco’, Environment and Planning A 48: 540–557.

Bogaert, K. (2016) ‘Imider vs. COP22: Understanding climate justice from Morocco’s peripheries’, Jadaliyya, 21 novembre. Disponible sur :  https://www.jadaliyya.com/Details/33760/Imider-vs-COP22-Understanding-Climate-Justice-from-Morocco’s-Peripheries; El Kahlaoui, S. et Bogaert, K. (2019) ‘Politiser le regard sur les marges: Le cas du mouvement “sur la voie 96” d’Imider’, L’Année du Maghreb 21: 181–191; Hamouchene, H. (2016) ‘The Ouarzazate solar plant in Morocco: Triumphal “green” capitalism and the privatization of nature’, Jadaliyya, 23 mars 2016. Disponible sur : https://www.jadaliyya.com/Details/33115 ; Aoui, A., El Amrani, M.A., et Rignall, K. (2020) ‘Global aspirations and local realities of solar energy in Morocco’, Middle East Research and Information Project, 6 octobre 2020 .

Sowers, J. (2018) ‘Environmental activism in the Middle East and North Africa’, in H. Verhoeven (ed.) Environmental Politics in the Middle East: Local struggles, global connections. London, UK: C. Hurst & Co. pp. 27–53.

Benidir, M. (2021) ‘Courtage, compensation et reproduction de la décharge : La réparation communautaire et le développement des zones minières dans le Sud-Est marocain’, International Development Policy 13(1). Disponible sur :  https://journals.openedition.org/poldev/4451. (Consulté le 15 novembre 2021).

La société mère, Managem, est cotée à la bourse de Casablanca, et est elle-même une filiale de la holding royale Al Mada.

Bogaert, K. (2015) ‘The revolt of small towns: The meaning of Morocco’s history and the geography of social protests’, Review of African Political Economy 42(143): 124–140.

Aoui, El Amrani, and Rignall. (2020) ‘Global aspirations and local realities of solar energy in Morocco’.

Bouimezgane, O. (2016) ‘Développement des zones minières et le mouvement des habitant·es : Cas du sud-est’, Mémoire de master. Agadir, Maroc. Université Ibnou Zohr; Oubenal, M. (sous presse) ‘Émergence de l’agriculture d’exportation et transformation socio-économique dans le Sous’.

Blondeel, M. M.J. Bradshaw, G. Bridge, and C. Kuzemko. (2021) ‘The geopolitics of energy system transformation: A review’, Geography Compass (15)7. Available at https://doi.org/10.1111/gec3.12580; Huber, M. T. and McCarthy, J. (2017) ‘Beyond the subterranean energy regime? Fuel, land use and the production of space’, Transactions of the Institute of British Geographers 42: 655–668.

10 Carafa, L., Frisari, G., and Vidican, G. (2016) ‘Electricity transition in the Middle East and North Africa: A de-risking governance approach’, Journal of Cleaner Production 128: 34–47.

11 Cantoni, R. and Rignall (2017) ‘Kingdom of the sun: A critical, multiscalar analysis of Morocco’s solar energy strategy’, Energy Research and Social Science 51: 20–31.  Voir aussi Hamouchene, H. (2021) ‘L’hydrogène vert : la nouvelle ruée vers l’Afrique du Nord ’, Chronique de Palestine, 23 novembre 2021. Disponible sur :  https://www.chroniquepalestine.com/hydrogene-vert-nouvelle-ruee-vers-afrique-du-nord/  (Consulté le 7 octobre 2022).

12 Cantoni and Rignall (2017) ‘Kingdom of the sun’.

13 Daumas, L. (2019) ‘Le secteur de l’énergie renouvelable au Maroc : concentration aux mains du secteur privé’, Comité pour l’Abolition des dettes illégitimes (CADTM). Disponible sur :  https://www.cadtm.org/Le-secteur-de-l-energie (Consulté le 1 décembre 2021); Escribano, G. (2019) ‘The geopolitics of renewable and electricity cooperation between Morocco and Spain’, Mediterranean Politics 24(5): 674–681.

14 Aoui, El Amrani, and Rignall. (2020) ‘Global aspirations and local realities of solar energy in Morocco’.

15 Poonia, G. (2021) ‘How the rise of copper reveals clean energy’s dark side’, The Guardian, 9 Novembre. Disponible sur :  https://www.theguardian.com/us-news/2021/nov/09/copper-mining-reveals-clean-energy-dark-side. (Consulté le 10 novembre 2021).

16 El Attilah, A., Souhassou, M., and El Morjani, Z. (2018) ‘Le cadre législatif de l’exploration et la recherche minière au Maroc entre le Dahir de 1951 et la loi 33 -13’, International Review of Economics, Management and Law Research 1(1). Disponible sur :  https://revues.imist.ma/index.php/IREMLR/article/view/12679 (Consulté le 15 novembre 2021).

17Akesbi, N. (2011) ‘Le Plan Maroc Vert : Une analyse critique’, in A. Akesbi, N. Akesbi, K. Askour, W. Benaabedlaali, N. El Aoui, A. El Houmaidi, S. Hamchane et al. (eds.) Questions d’Économie Marocaine. Rabat: Presses Univérsitaires du Maroc. pp. 9–48.

18 Rignall, K. (2021) An Elusive Common: Land, politics, and agrarian rurality in a Moroccan oasis. Ithaca, NY:  Presses universitaires de Cornell.

19 Rignall (2016) ‘Solar power, state power, and the politics of energy transition in pre-Saharan Morocco’.

20 Aoui, El Amrani, and Rignall (2020) ‘Global aspirations and local realities of solar energy in Morocco’; Blagley, D. and Rignall, K. (In press) ‘Land tenure in Morocco: Colonial legacies, contemporary struggles’, in H. Chitonge and R. Harvey (eds.) Land Tenure and Reform in Africa: Addressing challenges and complexities. Cham, Switzerland: Springer Nature.

21 Veltmeyer, H., and Petras, J. (eds.) (2014) The New Extractivism: A post-neoliberal development model or imperialism of the twenty-first century? Londres: Zed Books.

22 Rignall, K, L. Shade, C. Starr, and L. Tarus (In press) ‘The role of land in a just transition’, in S. Scott and K. Engle (eds.) A Just Transition in Appalachia. Lexington, Presses universitaires du Kentucky.

23 For an introduction, see Sachs, J. D., and Warner, A. M. (2001) ‘The curse of natural resources’, European Economic Review 45(4): 893–906; Van der Ploeg, F. (2011) ‘Natural resources: Curse or blessing?’ Journal of Economic Literature 49(2): 366–420.

24 See, for example, Stratford. D., and Walker, A. (2017) ‘Coal mining and the resource curse in the eastern United States’, Journal of Regional Science 57(4): 568–590.

25 High, M. and Smith, J. (2019) ‘Introduction: The ethical constitution of energy dilemmas’, Journal of the Royal Anthropological Institute 25(S1: Special Issue: Energy and Ethics?): 9–28; Li, F. (2016) ‘In defense of water: Modern mining, grassroots movements, and corporate strategies in Peru’, Journal of Latin American and Caribbean Anthropology 21(1): 109–129.

26 Rolston, J. S. (2013) ‘Specters of syndromes and everyday lives of energy workers in Wyoming’, in S. Strauss, S. Rupp, and T. Love (eds.) Cultures of Energy: Anthropological perspectives on power. San Francisco: Presses de la Côte Ouest. pp. 584–592.

27 Jacka, J. K. (2018) ‘The anthropology of mining: The social and environmental impacts of resource extraction in the mineral age’, Annual Review of Anthropology 47: 61–77; Zilliox, S., and Smith, J. M. (2018) ‘Colorado’s fracking debates: Citizen science, conflict and collaboration’, Science as Culture 27(2): 221–241.

28 Gaventa, J. (2019) ‘Power and powerlessness in an Appalachian valley – revisited’, Journal of Peasant Studies 46(3): 440–456.

29 Powell, D. (2017) Landscapes of Power: Politics of energy in the Navajo NationDurham, Presses universitaires de Duke. .

30 Martinez-Alier, J. (2002)L’écologisme des pauvres. Une étude des conflits environnementaux dans le monde. Paris, Les Petits Matins [pour la traduction française]; Nixon, R. (2011) Slow Violence and the Environmentalism of the Poor. Cambridge, Massachussets, Presses universitaires d’Harvard.

31 Bell, S.E. and R. York. (2010) “Community economic identity: The coal industry and ideology construction in West Virginia.” Rural Sociology 75:113-143; Filer, C. and M. Macintyre. (2006) ‘Grass roots and deep holes: Community responses to mining in Melanesia.” The Contemporary Pacific 18(2): 215-231.
Bell and York (2010).

32 Bayat, A. (2013) Life as Politics: How ordinary people change the Middle East. Stanford, Presses universitaires de Stanford; Rignall (2021) An Elusive Common.

33 Rignall (2021) An Elusive Common.